هل يمكن محاسبة الفاسدين ؟

 

من  أهم أسباب اندلاع التظاهرات الجماهيرية الكبرى في جميع محافظات العراق هو استشراء الفساد الإداري والمالي في جميع وزارات  ومؤسسات ودوائر الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والسرقات الكبرى لأموال الشعب وعقارات الدولة من قبل السياسيين وحواشيهم وأقاربهم والمحاصصة الطائفية والحزبية في اقتسام المناصب الحكومية وفساد القضاء حيث رفع المتظاهرون شعارات تنادي بالكشف عن كل الفاسدين وعن سرقاتهم الكبرى لأموال الشعب طيلة السنين الماضية وإحالتهم الى القضاء ليس لينالوا عقابهم المستحق عن كل سرقاتهم وفسادهم بل واسترداد أموال الشعب  التي سرقوها  خلال تسنمهم المناصب الحكومية والسياسية  طيلة السنين الماضية وإصلاح القضاء وإنهاء المحشاصصة الطائفية والحزبية و تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة لإنقاذ البلاد  .   إن حزمة الإصلاحات التي أقرها السيد العبادي في منهجه الإصلاحي بعد التظاهرات التي عمت البلاد تضمنت مبدأ التصدي للفساد والفاسدين ومحاسبتهم  عن كل جرائم الفساد والسرقة وأعلن السيد العبادي عن تشكيل لجنة نزاهة عليا لانجاز هذا الهدف المهم وتوقعنا كما طلبنا عبر أكثر من مقال أن تناط مسؤولية التحقيق في جرائم الفساد وسرقة المال العام الى لجنة من القانونيين والقضاة المستقلين ومن غير السياسيين ومن التكنوقراط وأساتذة الجامعات و ممن لم يتسلموا أي منصب حكومي مهم بعد الاحتلال الأمريكي للعراق لكي يكونوا بعيدين عن الضغوط السياسية والحزبية والطائفية وضغوط مرجعهم القضائي المتمثل بمجلس القضاء الأعلى ولكن وللأسف الشديد فان تسريبات الأخبار حملت أنباءاٌ غير سارة وغير مطمئنة عن جدية التصدي والتحقيق في قضايا الفساد حيث ذكرت هذه التسريبات أن السيد العبادي كلف عدد من السياسيين من حزب الدعوة لرئاسة وعضوية لجان التحقيق في قضايا الفساد والسرقات التي حدثت خلال السنين الماضية فولد هذا الخبر صدمة كبيرة للمتظاهرين , وإذا صحت هذه التسريبات فهذه أول انتكاسة لمشروع العبادي الإصلاحي لأن أغلب سياسيي حزب الدعوة الذين تسنموا مناصب في الدولة والحكومة ومؤسساتها تحوم حولهم شبهات فساد بل تحققت على العديد منهم تهم فساد وسرقات كبرى طالت أموال الشعب وعقارات الدولة وموازنتها الانفجارية كما أسموها خلال السنوات الثماني الماضية وحتى قبلها  واستغلالهم للمناصب الحكومية التي شغلوها لأغراض شخصية وحزبية وطائفية فكيف يحاسب عضو في حزب الدعوة زميله في الحزب ؟ وكيف يحاسب الفاسد والسارق الفاسدين والسارقين  مثله؟ ثم أن عملية التحقيق مسؤولية كبيرة  خصوصاٌ عندما يتعلق هذا التحقيق في جرائم الفساد والسرقات ونهب أموال الشعب وعقارات الدولة وعقارات مسؤولي النظام السابق والصفقات الكبرى التي تتجاوز مبالغها مئات المليارات من الدولارات ففي مثل هذه الحالات يجب أن يكون المحققين من ذوي الكفاءة الخبرة والتجربة وممن لديهم معلومات كبيرة في هذا الجانب بالإضافة الى الحيادية والنزاهة والأمانة وهذه الأمور لا يمكن ضمانها في السياسيين الذين سرقوا أموال الشعب ونهبوا ثروات الوطن حتى وان كانوا قضاة أو قانونيون لأنهم شركاء في الجرائم الكبرى التي طالت أموال وممتلكات الدولة وأموال الشعب.فعلى السيد العبادي إعادة النظر في قراره هذا إن صحت  هذه الأخبار وصدقت التسريبات حتى لا يخيب آمال  المتظاهرين وآمال الشعب العراقي والمرجعية الدينية الرشيدة الذين دعوا الى تشكيل هيئة قضائية مستقلة من الأكاديميين والاتكنوقراط  الكفوئين والنزيهين ومن غير السياسيين ومن غير مجلس القضاء الحالي المسيس للتحقيق في جرائم الفساد وفي الجرائم الأخرى المتعلقة بسرقة أموال الشعب ونهب ثروات الوطن و الخيانة التي تم فيها تسليم عدد من محافظات العراق لعصابات داعش التي سيطرت عليها بدون قتال واستولت على  أسلحة الجيش وآلياته ومعداته التي كلفت الدولة عشرات المليارات من الدولارات من أموال الشعب لتقتل بها أبناء قواتنا المسلحة وأبناء شعبنا ولترتكب أبشع الجرائم بحق أبناء العراق على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم  والمتمثلة بالقتل والذبح والتهجير والاغتصاب والسبي ونزوح الملايين عن مدنهم ومنازلهم  وتدمير المدن و تفجير الآثار والمراقد والكنائس وسرقة النفط وغيرها من الجرائم  الفظيعة الأخرى .