تكتمل بعد ايام عشر سنوات على سقوط النظام الدكتاتوري وحلول العهد الجديد ، ويفترض ان هذا العهد الجديد سيزيل كل الظلم ويخفف كل الفواجع ويلغي كل المحن التي سببها عمدا للعراقيين النظام البائد ، كما يفترض ان تكون هناك آلية ومخططات تستعجل تخفيف معاناة العراقيين ومداواة جراحهم البليغة التي احدثها النظام المباد ، ويفترض ايضا ان يكون من يتبوأ المركز التشريعي والتنفيذي والقضائي يمتلك من الضمير الحي ما يدعو للاطمئنان والارتياح ، باعتباره امينا على مصالح العراقيين وراعيا لحقوقهم ومندفعا لتحقيق احلامهم المشروعة ، ويفترض ايضا ان هذا المسؤول كائنا من يكون يعرف تاريخ العراق الحديث وما جرت من ويلات وجرائم بحق ابناء هذا العراق . اننا لانريد ان نسرد حقيقة اصالة وعراقة الكورد الفيلية في هذا العراق ، كما لانريد ايضا ان نعيد للذاكرة العراقية التي اتسمت للأسف بالنسيان وأن نثبت عراقية هذا المكون المهم والوطني ، ولا نريد التحدث ايضا عن دوره في الحركة السياسية العراقية في التاريخ الحديث والقديم ايضا ، كما لانريد التطرق الى قوافل الشهداء منهم الذين طرزوا صفحات التاريخ العراقي بفخر ، ولاعن الذين ساهموا منهم في بناء الثقافة والفنون والسياسة. كتب العديد من اصحاب الأقلام الخيرة والنيرة عن حقوق هذا المكون العراقي ، كما تطرقت ديباجة المقدمة للدستور العراقي الى استنطاق عذابات القمع القومي في مجازر الكورد الفيلية وفي محنة تسفيرهم وتجريدهم من عراقيتهم لأسباب لم تعد تخفى على صاحب الضمير الحي من اهل العراق . وتقدمت دراسات عميقة تبحث في قضيتهم كتبها اساتذة اجلاء وأكاديميون نبلاء تطوعا منهم لقضية الحقوق التي عانى ولم يزل يعاني منها اهلنا من الكورد الفيلية بفعل التناسي والتهميش الذي تعانيه هذه الشريحة دون ان تستحق منا هذا ، ومن غير الانصاف ان يتم تجاهل قضيتهم وهم الذين عبدوا لهذا الشعب طريق الخلاص من الدكتاتورية ، وهم ايضا وحدهم لم يعثروا حتى اليوم على جثث اولادهم ومقابر شهدائهم ، ومن المخجل ان يتبع النظام الجديد معهم طريقة دفن الرؤوس في الرمال وسد الاذان عن سماع محنتهم وقضاياهم التي باتت من بين اهم القضايا الواجبة البحث في هذا الزمان المر . ولعل قضية بقاء الكورد الفيلية العراقيين في المخيمات الايرانية لاتدعو للأسف فقط ، بل تحز في الضمير ، فلم يزل ابناء العراق منهم في مخيمات جاهروم وأزنا الايرانية مقيدين لايحملون الجنسية العراقية ولاغيرها ، ولم يزالوا دون حقوق ترتب احوالهم ، ولم تفكر الحكومات العراقية المتعاقبة بعد التغيير بان تحل قضيتهم وبقاءهم مشردين بالرغم من مرور زمن طويل على بقائهم على هذا الحال الذي لايسر كل اصحاب الضمائر والذين نناشدهم وحدهم دون غيرهم بان يستذكروا معاناة الفيلية في مخيمات ايران بعد مضي عشر سنوات على سقوط نظام الطاغية ، وقد مضت عليهم اكثر من مدة ربع قرن وهم يعيشون حياة لاتليق بمن خدم وضحى للعراق . ومن يريد ان يتعرف على معاناة الكورد الفيلية في المخيمات الايرانية عليه ان يدخل في حقوقهم الانسانية التي جردها نظام صدام ولم يزالوا حتى اليوم يشكون منها ويعانون معاناة كبيرة من آثارها ، ولم يلتفت اليهم احد ، وينشغل عنهم اهل السياسة والمسؤولون في خصوماتهم السياسية وحروبهم على كراسي السلطة والمناصب التي تدر عليهم من خزائن العراق ، في حين يعيشون اخوتهم من الكورد الفيلية يتحسرون على صفائح النفط في الشتاء وعلى وسائل وسبل تعيدهم الى بلدهم ومدنهم وبيوتهم التي سلبها النظام الصدامي ،ولم يزالوا يعيشون حالة اللاجنسية التي حرمها القانون الدولي والذي صم آذانه عنهم ايضا . محنة الكورد الفيلية لم تزل مستمرة وهم يتطلعون لان يلتفت اليهم اصحاب الوجدان من اصحاب الضمائر العراقية الحية ، المخلصون لبناء العراق الجديد من ان يجدوا لقضيتهم الحلول المنصفة ويعيدوا لهم عراقيتهم وإنسانيتهم ، ومن العار ان تبقى مجموعات كبيرة من هذه الشريحة مرمية في مخيمات تقيد حريتها ونشاطها وتحرمها من حقوقها ، ومن المخجل ان تبقى مجموعات كبيرة من هذه الشريحة دون قانون يعيد لها من سلبها منهم النظام البائد ويرتب لهم الحقوق التي غابت عنهم ويعوضهم ليس فقط عن التضحيات الجسام التي تحملتها ، انما يتم تعويضها عن سنوات الجمر والمرارة والعذاب وما خسرته عوائلهم من زمن دمر تجمعهم وكينونتهم الاجتماعية وحرمهم من التصرف بحقوقهم وأملاكهم ووظائفهم وأعمالهم ومافاتهم من حياة ترتب لغيرهم وتم حرمانهم منها . اننا نعتقد ان كل صاحب ضمير حي لن يقبل بان يبقى الكورد الفيلية في المخيمات الايرانية دون أن نستعجل باعادتهم وإكرامهم ، وان كل وطني عراقي يشعر بعراقيته يسهم بترتيب اوضاعهم القانونية والآنسانية ، ومن العار ان تبقى أجيال منهم يعانون الاغتراب والتقييد وحالة اللاجنسية وهم مرميون في بلد جار لم يمنحهم الجنسية ولارتب لهم حقوق اللجوء وجعلهم ينتظرون ما سيقدمه لهم بلدهم ، وقد طال انتظارهم . مضى زمن ليس بالقصير يفترض بالحكومة الاتحادية ان تقوم بتطبيق سريع وإنساني لقضيتهم بما يساهم في الحفاظ على وحدة العراق ويعزز من حرصها على حقوق المواطنة وأساسها ومساواة الفيليين بإخوتهم من بقية الشرائح والمكونات العراقية مع الاعتبار للحرمان الذي عانوا منه ، وان تكون الاولوية لقضيتهم في البحث عن مقابرهم الجماعية ، وقد نص الدستور في المادة ( 132 ) منه على كفالة الدولة للمتضررين من الممارسات التعسفية للنظام الدكتاتوري البائد وينظم ذلك بقانون ، وهم يتطلعون أملا بصدور قانون ينصفهم ويعيد لهم ما سلبه النظام الظالم البائد منهم ، وان يتم تسهيل عملية استعادة وثائقهم الرسمية بيسر وسهولة وسرعة ودون تعقيدات الروتين القاتلة ، وان يتم تسهيل استعادة حقوقهم جميعها . أن الالتفات لمعاناة الفيلية في المخيمات الايرانية اليوم بات مطلبا وطنيا لقياس درجة الاخلاص لقضية الشعب العراقي ، وهو المعيار الحقيقي للمخلص لقضية العراقيين الذين عانوا من ويلات النظام الدكتاتوري ، ولذا فان كل مسؤول اليوم بات على المحك في ان يسجل التاريخ العراقي له وعليه ماقدمه من عمل تجاه هذه الشريحة التي تستحق منا كل التقدير والإجلال . واذا كانت المحكمة الجنائية العراقية العليا قد اصدرت قرارها في قضية الكورد الفيليين واكتسب هذا القرار درجته القطعية بحق عدد قليل ممن ساهم الدكتاتور في قتلهم وترويعهم وتشريدهم ، فان هناك حقوقاً أخرى يرتبها القانون لهم ، ندعو جميع اعضاء مجلس النواب لأن يكونوا صوتا واحدا ، خصوصا وهم في فترتهم الأخيرة في المجلس بان يسجلوا لهم صفحة ناصعة وطنية في الوقوف الى جانب انصاف ابناء الكورد الفيليين ، مثلما ندعو ايضا اعضاء برلمان اقليم كوردستان بان تكون لهم وقفة مميزة تجاه الكورد الفيلية في المخيمات الايرانية ،ولم نزل جميعا بانتظار موقف عراقي وطني يستذكر هذه الشريحة التي اعطت للعراق ولم تنصفهم السياسة ولااعيدت لهم حقوقهم المسلوبة بيسر ولم يتم تعويضهم عن الضرر الفادح الذي لحق بعوائلهم نتيجة معاناتهم كل هذا الزمن المرير ، ولم يزل الفيليون منتشرين حتى اليوم في مشارق الأرض ومغاربها ينظرون الى العراق بعيون ممتلئة بالدموع والألم يعصر قلوبهم وهم يشاهدون املاكهم وحقوقهم بيد الغير لاتعاد لهم ، وقد شبعوا من الوعود دون ان يشبعوا من الحقوق .
|