تريثوا ياحشدَنا المقدّس .. فالمهاجرُ حشديٌّ أيضاً, نفذَ صبرُهُ

في مخيّم رفحاء للاجئين العراقيين وعند انقشاع آثار الانتفاضة الشعبانية واستقرار الوضع فيه انقسم الراي السياسي الى كتلتين...واحدةٌ ترفض الهجرة الى خارج المخيم وتتبّنى الفتوى السياسية التي تقول" البقاء افضل" واخرى تريد الهجرة وتراها توفّر ايصالاً أعمق واشمل لمظلومية العراق وشيعته للراي العام العالمي...شكّل هذا الانقسام نموّ خيوطِ غلٍّ واستعداءٍ بينهما, كان الرافضون للهجرة اكثر اندفاعٍ للتصادم والتسقيط عندما وصفوا الراغبين بها خونة العهد وعبيد الدنيا وتاركي طريق ذات الشوكة, بالرغم من ان غالبية المهاجرين كانوا على مستوىً عالٍ من البناء العقائدي والتقوائي ومحاضرين حوزويين وربما كان بعضهم من اهل السلوك العرفاني , ووصل الأمر بهذا الاستعداء الى اعتبار مايقدّمه ممن ظهر اسمه على قوائم الهجرة في ليلة سفره من شراب بالمناسبة لضيوفه سحت واكل حرام .
لم يتفهّم الرافضون للهجرة التغيير الذي حصل في العالم وتحوّله الى قرية صغيرة من خلال عولمته القادمة بقوة في تسعينات القرن الماضي ودخول الاعلام كعنصر جديد أكثر فاعلية من بارود ورصاص –الجزيرة والعربية والميادين امثلة على التاثير- ولو فعلوا[ تفهّموا ] لربما شربوا مما قدمناه لهم ليلة سفرنا وربما اوصلونا الى باب المخيم بقبلٍ وعناقٍ وما كان احوجنا لهما يومها.
منذ أن وصل المهاجرون الى البلدان التي قصدوها بدأوا بشرح مظلومية العراقيين للراي العام العالمي . كان المهاجرون يحرصون على كشف حقيقة الاجرام البعثي للناس وقام الكثير منهم بمظاهرات دورية امام مقر الامم المتحدة والبيت الابيض في امريكا وفي اوربا واستراليا وفي جميع دول العالم , ووثِّقّتْ هذه المظاهرات بالصوت والصورة بالرغم من المخاطر التي ستطال عوائلهم في العراق . لم تبق طريقةٌ الا وسلكها المهاجرون ولا ابالغ ان قلت كان لهم التاثير الاكبر في اسقاط صدام من خلال ماشكّلوه من ضغطٍ قويٍ على أصحابِ القرار العالمي آنذاك.
لازال المهاجرون على العهد, يدعون الله سبحانه يوميا بل في كل صلاة وفي كل مسجد وجامع- وارى يوميّاً في جامع كربلاء وجامع الامام علي وجامع الجمهور الحسيني ومركز الزهراء والمركز الاسلامي وباقي جوامع الدنيا - في كل دول العالم المهاجرين يتوسّلون بالدعاءِ لنصرة الحشد الشعبي ويقومون بمظاهراتٍ نصرةً ودعما له- الحشد المقدس- ويتبرعون لشهداءه بسخاءٍ ومنهم من التحقَ بكتائبهِ واستشهدَ كالصّديق الشهيد حسن شعيّر الذي ترك استراليا وعاد الى العراق امتثالاً للفتوى الشهيرة وانخرط في قتالِ الدواعش وحصل على أعلى مراتب التكريم – الشهادة- في سبيل الله والوطن. وحسن رحمه الله ممّن أُعْتُبِرَ شرابُهُ الذي قدّمه يوم سفره من مخيم رفحاء سحتاً وحراماً .
هاجر المهاجرون من مخيم رفحاء وكان وضعه الخدماتي افضل حالاً من وضع العراق الان . كان الاكلُ ياتينا رغداُ هنيئا والعراق في مجاعةٍ الان , كانت تلقي علينا في كل صباحٍ عشراتُ القاطراتُ المحملةُ بما لذّ وطاب من انواع الاطعمة, واطعمةُ العراق فاسدةٌ ومنهياتُ الصلاحيةِ . كان الماءُ انقى من ماء البصرة المالح . كانوا يعطوننا راتبا – ولو رمزيا- دون عمل , والالاف بدون عمل الان في العراق. كنّا بامان دون مفخخات وخطف وتفجير –سوى حوادث لاتستحق الذكر اذا ماقورنت بمئات الاف الضحايا في العراق- والعراق صار قطعةً من جحيمٍ وشظايا واشلاء . كنّا ندرس في المدارس , ومدارس العراق الآن وتعليمه في ذيل قائمة الدنيا. كنّا نذهب الى الطبيب مجانا والعراق اللآن يتلوّى من الكوليرا ومرضاه يلتحفون الكراتين والاوراق على اسرّة لاتصلح للحيوانات.. كنّا نقيم طقوسنا بحريةٍ , والعراق الان يعاني من تفرقةٍ مقرفةٍ وكريهة وطائفيةٍ نتنةٍ.. كان بعضُنا يتزوج ويخلّف العيال وننعب كرة القدم ونضحك ونتمرّن , مع كل هذا قررنا الهجرة وهاجرنا. كنّا في معاناة ..لكنها لا تصل الى معاناةِ العراقيين الآن ابداً.
من قرّر ان يهاجرَ الان لايُلام لانّ وضع العراق يجبرهم على الهجرة وهذا ليس طعناً في من رفض الهجرة وبقي في الوطن يقاتل, انّما البطلُ الذي لازال يقاتل في صفوف الحشد تحمّلهُ اكبر ممّن وصل الى مرحلة اليأس وقرر الهجرة, والأثنان على خير أن شاء الله.
الكثير من المهاجرين من مخيم رفحاء لم يترك القضيةَ وبعدَ الذي صار منهم واندكاكهم بوطنهم وتاثيرهم الذي ادّى الى اسقاط صدام وحكم البعث العفلقي , اجزم ان أغلب من يهاجر الان سيكون رقما صعبا سيحتاجه العراق في المستقبل وسيتبنّون قضاياه ويرفعون راياته , وسيندم من وصفهم بما وصفهم بعد حينٍ , والايام بيننا .