استعاد فلاديمير بوتين ما فقده في ليبيا وأوكرانيا. تدخَّل عسكريًا في سوريا رافعًا على الدبابات صورة بشار الأسد، فتراجعت أميركا خطوة أخرى معلنة القبول بالأسد إلى حين، بعدما كانت تصر، منذ أربع سنوات، على ذهابه فورًا. لا شيء نهائيًا طبعًا. لا في الاندفاعات الروسية نحو استعادة مرتبة الشراكة الأولى، ولا في انحسارات أميركا التي تحوّلت في ربع القرن الماضي من دولة أولى مبتهجة بالانتصار في الحرب الباردة، إلى دولة تكاد تفقد الصفة التي لازمتها منذ الحرب العالمية الأولى. ما بين رعونات جورج دبليو بوش وانكفاءات باراك أوباما، أضاعت الولايات المتحدة الكفة الراجحة في ميزان القوى العالمية. وفي سوريا تراجعت أمام مواجهين، النظام و«داعش». ومضى زمن لم نعد نسمع فيه عن الحرب ضد «داعش»، أو أي انتصار عليها. وتبدو حرب العراق – أميركا لاقتلاع «الخلافة» من المدن الكبرى التي احتلتها، وكأنها تجري في الخفاء في مكان ما على شواطئ الأمازون، لا على شواطئ الفرات. وقد تردد أوباما في إعلان الحرب على «داعش» إلى أن فاجأ المستر جون كيري العالم بالقول: إنها حرب تستغرق 5 سنوات. ما هي هذه القوة القادرة على مواجهة التحالف الغربي نصف عقد؟ وها هو بوتين آتٍ أيضًا لمحاربتها. ومن دون أن يرتفع صوتها تدفعه الصين وتشجعه. ولديها شكوك بأن المتطرفين الصينيين هم وراء انفجار بانكوك «الجهادي». بالأمس كان يتقاسم العالمَ القطبان الروسي والأميركي، لكن اليوم يجد القطب الأميركي أنه يخسر موقعه لحساب مجموعة حروب خفية وقوة إقليمية ودول جديدة، إضافة إلى الخصم الروسي القديم. وقد استغلت كل هذه القوى انكفاء أوباما المعلن والمستمر لكي تسد الفراغ حيث تتمكن. وفي العرض العسكري الصيني الأخير لم تترك بكين الشك لدى أحد بأنها تنوي أن ترفق المرتبة الاقتصادية بالمرتبة العسكرية. بعد نهاية الحرب الباردة نشر المفكر الأميركي فوكوياما مقالاً بعنوان «نهاية التاريخ». وبالطبع الأكاديمي المحافظ، أضاف إلى العنوان علامة استفهام. ربما كان صحيحًا أن تاريخًا قديمًا انقضى، لكن الصحيح أن تاريخًا جديدًا بدأ من دون التوقف كثيرًا عند رأي أميركا. فخامة السيد أوباما يريد أن يملأ عامه الأخير بما ملأ به أعوامه المنقضية. المزيد مما مضى.
|