كيفية توزيع السلع والخدمات في اقتصاد السوق؟

لماذا يملك عبد الرحمن دار مكون من خمسة غرف في احدى ضواحي بغداد وعبد الزهرة يعيش مع أولاده الخمسة في دار تشاركه فيه عائلة أخرى؟ ولماذا أصبح قاسم سائق سيارة تكسي في بغداد وابن عمه طبيب اسنان معروف؟ ولماذا أصبح عباس تاجر صياغة وأخيه باع أدوات احتياطية؟ ولماذا أصبح فلان مدير عام مؤسسة السياحة والسفر واخر بائع متجول تطارده البلدية ليضيفوا هما الى همومه؟ وعند الحديث عن مهن المواطنين فلابد التحدث عن دخولهم السنوية , حيث اننا سوف لن نجد صعوبة بالقول ان حالة عبد الرحمن المالية احسن من حالة عبد الزهرة , وابن عم قاسم احسن ماليا من قاسم , ودخل عباس السنوي احسن من دخل أخيه السنوي , ودخل فلان السنوي احسن ( حتى وان كان من المؤمنين المخلصين الذين لم تنجسهم نجاسات الفساد الإداري والمالي) من دخل البائع المتجول .

ابن عم قاسم يستطيع شراء سيارة مرسيدس مع مرور الزمن ولكن ابن عمه لا يستطيع و سيستطيع عباس شراء دار لعائلته وربما حتى سفرة صيفية مع عائلته الى تركيا او ايران بينما سيبقى أخيه ملتحفا بحرارة جو تموز العراق , ودخل المدير العام سوف يسمح له بتهيئة جميع ما يحتاجه أولاده ولكن البائع المتجول سيبقى متعكزا على المساعدات الحكومية . نظام السوق يسمح لمن يريد شراء سيارة بمبلغ 30 الف دولار اذا كان هذا المشتري له القدر والرغبه لشراء هذه السيارة , ومن لا يملك هذا المبلغ يقف على الرصيف للتفرج عليها . هذه هي طريقة توزيع السلع والخدمات في اقتصاد السوق او القريب منه. من لديه المال يستطيع زيارة أحسن أطباء المدينة ومن ليس له القدرة المالية سينتهي الى مراجعة المستشفى الحكومي او ربما أحد "أطباء" المنتشرين خلف الصحن الكاظمي. ومن لديه المال والرغبة يستطيع شراء أرقي بيوت الاعظمية ومن ليس له مال واهل فمصيره النوم تحت الجسور او في الخيام على قارعة الطرق او على أبواب المساجد والحسينيات. ومن لديه المال والرغبة يستطيع شراء اخر موديلات الأثاث والملابس ومن ليس لديه المال الكافي سينتهي بشراء الأثاث والملابس المستعملة. قابلية المواطن على شراء السلع والخدمات او الدفع يعتمد على:
1. حجم ممتلكات ونوعية الموارد الاقتصادية التي في حوزة المواطن. المواطن الذي يرث دارا او بستانا او محلا تجاريا من والده او جده سيكون اغنى من مواطن يموت والده او جده وهو مديونا. المصدر الثاني هو نوع الموارد التي تدخل في العملية الإنتاجية التي تحت حوزة المواطن والتي يقسمها الاقتصاديون الى أربعة وهي: الموارد الطبيعية التي يملكها المواطن وهي تشمل الأرض الزراعية , مقالع الحصى , المناجم , غابات الاخشاب , وبساتين الفاكهة واللوزيات . الثانية هي رأسمال وهو يشمل البنايات , دور السكن ,و الآلات والمكائن . رأسمال لا يشمل النقد سواء كان في بنك او تحت الفراش او عدد أسهم الشركات التي يمتلكها المواطن. النقد واسهم الشركات لا يعتبران استثمارا لان كلاهما لا ينتجان شيء الا بعد استخدامهما. النوع الثالث من الموارد الداخلة في الإنتاج هو العمل والذي يشمل العمل الذهني والجسماني. والنوع الأخير من المواد التي يملكها الانسان وتدخل في الإنتاج هي الموهبة الإدارية , وهذه تشمل طبقة أصحاب و مدراء المصانع والمؤسسات والتي تتمتع بقدرة عالية على القيادة والاكتشافات وتحمل المخاطر . هذه هي عوامل الإنتاج التي يتحدث عنها الاقتصاديون: الأرض وما عليها وفوقها و تحتها , رأسمال, العمل , والقابلية الإدارية .
2. وعليه فان دخل أي مواطن يعتمد على نوع عوامل الإنتاج التي يمتلكها , كميتها , وتسعيراتها في السوق . دخل المزارع السنوي الذي يملك عشرة دوانم من بساتين الفاكهة المثمرة سيكون اعلى من دخل فلاح يملك خمسة دوانم مزروعة بالحنطة والشعير. ودخل الفلاح الذي يملك دونم واحد مزروع من محصول السمسم سيكون اعلى من دخل فلاح يملك دونما واحدا مزروع بالحنطة , لان المستهلك له الرغبة بدفع مبلغ لشراء كيلو سمسم اعلى من سعر كيلو من الحنطة . والمواطن الذي يملك عقارا للإيجار في بغداد او النجف او كربلاء سيكون له دخل سنوي أكبر من مواطن يملك عقارا للإيجار في صلاح الدين او ميسان او المثنى. والمواطن الذي يملك عقارا يعتبر في حالة مالية احس من جاره المستأجر , وراتب طبيب مختص بالأمراض العصبية اعلى من راتب موظف صادرة و واردة وهذه حقيقة في كل العالم . معدل دخل مختص بالأمراض العصبية السنوي يعادل 300 الف دولار في الولايات المتحدة الامريكية , بينما يعادل الدخل السنوي لموظف جامعي على احسن أحوال هو 50 الف دولار . اما الرواتب السنوية لمدربي الرياضة فهي الأعلى من بقية المهن بعد مهنة التمثيل وإدارة الاعمال في هذا البلد. فقد بلغ الراتب السنوي لمدرب فريق كرة القدم لجامعة الباما هو 7.2 مليون دولار , وميشيغان 5.6 مليون دولار , و أوكلاهوما و تكساس 5 مليون لكل واحد منهم . اما مهنة التمثيل فهي الاخرى من اغلى المهن حيث كان دخل الممثل روبرت داوني 80 مليون دولار , وراتب جاكي شين 50 مليون , وفان دايسيل 47 مليون دولار. الرواتب السنوية لمدراء الشركات الامريكية فهي الأعلى في هذا البلد الى درجة جلبت سخط المواطن الأمريكي الذي يعاني من تراكم الديون عليه. فلقد بلغ الراتب السنوي لمدير شركة صنع الادوية جان همركرين ما يعادل 131.2 مليون دولار في العام الماضي , رالف لورن , صاحب صنع الملابس الشهيرة (بولو)باسمه فقد كان 66.7 مليون , مدير ولت دزني , روبرت اكير 53.3 مليون دولار .

وعليه فان نظام السوق يسمح للمواطن المليونير بشراء كل ما تستطيع أمواله شراءه من بيوت فارهة وسيارات فاخرة وذهب ومجوهرات , ونظام السوق يسمح لمواطن دخله السنوي لا يتجاوز 5 الاف دولار شراء ما يستطيع شراءه بهذا الدخل . نعم انه ليس من العدل والانصاف وان يموت انسان من التخمة والأخر من الجوع وهنا يأتي دور الحكومة والمجتمع. الحكومة وبالضغط من المجتمع وتقاليده واخلاقه تقوم بإعادة توزيع الدخول على مواطنيها من خلال برامج المساعدات , حيث ان جميع الدول الصناعية لديها برامج لمساعدة العمال العاطلين عن العمل , العوائل ذات الدخل دون المتوسط , الرعاية الصحية المجانية , مجانية التعليم , و رعاية المسنين .