ذاكرة شقاوة من الزمن الجميل محسن مصلاوي يروي ذكريات عمرها نصف قرن القسم الاول


أبرز شقاوات الأحزاب في العراق . . وصدام لم يكن شقاوة بل حزبي ملتزم
ما سر محاولة اغتيال صدام في مصر عام 1971 ؟ وتفاصيل عن جريمة قتل فؤاد الركابي في سجن بعقوبة
عالم الشقاوات في بغداد بعد نصف قرن تحول إلى ذكريات وذاكرة لاسترجاع بعض المواقف وأسماء أشهر شقاوات ذلك الزمن الجميل، والغريب أن الشقاوات زجوا في عالم الصراع السياسي والاحتراب، وبرزت أسماء حسبت على بعض الأطراف السياسية، مثل جبار كردي، وكامل معلاك، وقيس الجندي، وعلي ماما، وخالد دونكي، وحمودي الاقجم، و.. محسن مصلاوي!
اتصل بي محسن مصلاوي وأخبرني انه قرأ كتابي (ظاهرة الشقاوات في الأحزاب السياسية العراقية) وانه أعجب به ويتمنى أن يلتقي بي ليسرد لي جوانب من عالم الشقاوات، برغم أن محسن يرفض استعمال عبرة (شقاوة) ويستعيض عنها بعبارة (خوش ولد)!
على مدى ثلاث ساعات تبادلت مع محسن حكايات وذكريات ومواقف وأسماء تعود إلى نصف قرن مضى.. ومحسن من أقرب المقربين للشقاوة الشهير في محلة التكارتة ويدعى (علي ماما) أو (علي الحيالي) الذي ارتبط اسمه إلى حد ما باسم الرئيس الأسبق صدام حسين وينفي محسن مصلاوي أن تكون هناك أية علاقة صداقة أو زمالة ما بين علي ماما وصدام حسين، وينفي بشدة ما قيل عنها وان لا أساس لها من الصحة!

الجزء الأول

محسن علي حسين – وهو اسمه الكامل - الملقب محسن مصلاوي روى لي بدايات ولوجه عالم الشقاوات قائلا:
- كنتُ اسكن منطقة الفضل في ستينيات القرن الماضي وهذه المنطقة بشخصياتها كانت صعبة ورجالها شرسين في التعامل على الأغلب ومن خلال هذه البيئة التقيت أناسا شرسين وكان يجب علي ان أكون شرسا أيضا لكي لا اغلب او اقهر بين رجال وشاب محلتي.. سكنت عائلتي بغداد عام 1959 بعد فشل حركة الشواف وكان والدي شرطيا انتقل إلى العاصمة فانتقلنا معه وسكنا في منطقة الفضل في محلة الحمام المالح واغلب شبابها كانوا شرسين.. أنا من مواليد 1946 وأكبر أشقائي!
قلت له: لماذا حولت الى صف الشقاوات وأنت قادم جديد من الموصل؟! وكيف تعرفت الى علي ماما؟!
أجاب: ان ظروفي وظروف البيئة التي عشت فيها في الفضل حولتني الى «وكيح« تم توقيفي لاول مرة في عام 1964 فتعرفت على «علي ماما» في موقف شرطة السراي وكان هذا المركز تجمعا لكل الموقوفين من جميع انحاء العراق حيث يتم بعد ذلك تسفيرهم الى الجهة التي تعين لهم وكان في المركز «علي ماما« محجوزا ومعه شتيوي وكاظم الرماح الذي اعدم فيما بعد بسبب جريمة قتل وعرفني على علي ماما شخص اسمه محمد عبدالكريم من اهالي الفضل وكان محكوما ايضا.
* هل تعرفت على شقاوات آخرين ومن هم؟
- بعد اطلاق سراحي كنت التقي علي ماما وتعرفت على خالد دونكي عندما جاء في موعد مواجهة الموقوفين وكذلك تعرفت على عبدالرزاق لفتة وحميد حظية وكان اغلب شقاوات الكرخ يأتون الى المركز لزيارة علي ماما وكنت اعرف اغلبهم بسبب لقاءاتي الكثيرة معهم في الملاهي التي كنت أتواجد فيها آنذاك ومن خلال اجواء الملاهي تعرفت على معظم شقاوات بغداد وقتذاك ومنهم ماجد ابن السورية!
* ما قصة المعركة الشهيرة التي وقعت عام 1967 بين شقاوات الكرخ؟!
- في عام 1967 بعد خروجي من التوقيف سمعت ان هناك مشكلة بين علي ماما وجماعة محسن سهيل وكان محسن يترأس مجموعة من الشقاوات في منطقة المشاهدة وانهم جاؤوا ذات يوم الى مقهى علي ماما وأهانوا الجالسين فقابلت علي ماما واخبرني ان شخصا من جماعة محسن اسمه مشكور هو الذي أهان الحاضرين فقلت لعلي ماما لن ارجع إلا بعد ان اقتله وكان معنا رزاق الدليمي الذي توقف فيما بعد لاتهامه في قضية قتل فؤاد الركابي.
قاطعته: من هو رزاق الدليمي الذي ذبح المرحوم الركابي في سجن بعقوبة؟!
قال محسن: كان رزاق الدليمي وهو شرطي امن سابق اوقف بتهمة قتل متظاهر في منطقة الدورة وحكم عليه في عام 1965وجيء به موقوفا معنا ولم يكن محسوبا على اي حزب او حركة وقد اتهم رزاق بقتل محسن سهيل بعد حركة 17 تموز 1968!
ويواصل محسن مصلاوي سرد حكاية المعركة التي جرت عام1967 قائلا:
- توجهت الى مقهى محسن سهيل لكي اقتل مشكور وجلبت معي سامي النجار الذي قتل فيما بعد في المعركة التي خضناها ضد محسن سهيل وحسين ابو الهرش وهوبي الفرج وكنا نحمل مسدسات وكنت احمل مسدس 9 لاما و معي قرابة 60 إطلاقة وكنت متحمسا لقتل مشكور فتوجهنا نحو مقهى محسن سهيل وقبل ذلك مررنا على الشقي حسام القشطيني وجلسنا في منزله قليلا ثم غادرنا الى المقهى وكان حسام صديق خالد دية الذي قتله سلمان الاسود، خرج معنا ايضا وحسام هو الذي خطف المطربة اللبنانية الهام يونس واغتصبها لثلاث ليالي متواصلة قبل ان يرميها في الشارع.. اتجهنا الى محلة المشاهدة حيث تلتقي عصابة محسن سهيل وكنا اربعة اشخاص نحمل اربعة مسدسات ولكننا لم نعثر على اي شخص منهم في المقهى وقيل لنا انهم توجهوا الى الدوريين في الارزملي وتوجهنا نحوهم بعربة تجرها الخيول حيث يجلسون في مقهى سلمان الاسود التي تقع بين محلتي الدوريين والارزملي وصلنا الى الارزملي حيث توجد عدد من المقاهي وشاهدنا ستار شقيق خالد دونكي الذي اخبرنا ان جماعة محسن سهيل يلتقون في مقهى سلمان الاسود وقبل ان نصل الى المقهى سحبت علينا اكثر من عشرة مسدسات واطلق الرصاص بغزارة فاصيب هوبي في ساقه وانا في ساقي ايضا واصيب سامي النجار في بطنه وكنت انا وهوبي نطلق رصاصا غزيرا على المقهى وهرب حسين ابو الهرش الذي ذهب ولم يعد الينا وتواصلت المواجهة بالرصاص الحي قرابة ساعة ثم حل سكون وكنت اتوقع ان لا احد موجود وما ان تحركت حتى اصبت باطلاقة في ساقي (يرفع بنطاله وتبرز آثار الرصاص في ساقه وثلاث اصابات في الساق) وتمددت واصطنعت نفسي ميتا وما ان فتحت عيني حتى وجدت الشرطة فوق راسي ورحت اتحدث معهم باللهجة الموصلية فسالني المفوض فقلت له انهم جماعتان تبادلوا اطلاق النار وانا رجل من الموصل مستطرق اصابوني في ساقي فتم نقلي بسيارة الاسعاف ومعي رجل قتيل وفتاة مصابة ايضا وكنت قد مزقت هويتي ورميت مسدسي من خارج السيارة في مقبرة الشيخ معروف ورميت شاجور المسدس ايضا وبقيت طلقات قمت بوضعها في جيب الرجل الميت المدد قربي في سيارة الاسعاف. وزعمت امام التحقيق انني كنت مستطرقا فاصبت برصاص المتشاجرين وكنت اتحدث مع المحققين باللهجة الموصلية للتمويه واخفاء حقيقة شخصيتي.. القي القبض على هوبي الفرج الذي اعترف للشرطة بانني قتلت في المعركة لكن الشرطة عندما جلبته الى المركز راني فاحتضنني وصاح باسمي فانكشف امري وتم اعتقالي. وتحدث محسن مصلاوي عن صديقه الاثير الى قلبه علي ماما قائلا: هو اكبر مني بست سنوات وهو من مواليد 1937 او 1939وسمي بـ »علي ماما« لانه كما اشيع عنه انه عندما كان طفلا صغيرا يتشاجر مع اقرانه فيضربوه فيصيح على امه لنجدته «ماما.. ماما« فسمي بعلي ماما!!
عن علاقته بالحركات السياسية قال: كنت مع جماعات معادين للشيوعيين نضربهم في منطقة الحيدرخانة قرب مقهى صبحي وكنا نصعد الى سطوح الفنادق ونرمي تظاهرات الشيوعيين بالطابوق و في منطقة الفضل انتمى كثيرون منهم الى حزب البعث والحركة القومية وكان محي مرهون من اشهر الشقاوات البعثيين في المنطقة فاصبح عدوا لي وخاصة بعد ان ارتبطت بصداقة مع علي ماما وكان من القوميين وليس بعثيا. كان محي مرهون يوجه جماعته من امثال جبار كردي وستار كردي وكامل معلاك وكانوا من البعثيين. وكان كامل معلاك من البعثيين ومن فريق الاغتيالات وانه شارك في اغتيال حردان التكريتي في الكويت.
قلت له: بعد مجيء البعث الى الحكم عام 1968 تعرضتم للمضايقة والتصفية؟!
- بعد 17 تموز 1968 كلفني الامن بقتل علي ماما ولكني اخبرته بالمهمة التي كلفت بها وباسم الشخص الذي كلفني باغتياله لكن علي ماما افشى السر مما جعل الامن يامر بالقبض علي فهربت الى سوريا والتقيت في الموصل بعلي ماما الذي جاء هاربا من الكويت فعرفته على بيت كشمولة وابدى طارق كشمولة استعداده لتهريبنا الى سوريا والتحق معنا نائب ضابط هو جعفر كان مرافقا لعبدالرزاق النايف وانتحلت صفة جاكي خيول وعلي ماما تاجر خيول. دخلنا الى سوريا فاستلمنا الجيش السوري على الحدود وطلبوا منا املاء استمارة معلومات وكان علي ماما يقرأ ولكنه لا يكتب. كنت منتميا الى حزب الوحدة الاشتراكي ومسؤولي الحزبي في الفضل هو شمسي ابو قمر الذي فقد بصره وهو حي الان.. كان الامن قد داهم اجتماعنا الحزبي قبل هروبي الى سوريا المنعقد في بيت صاحب مقهى وكان ابو قمر يعتقد بانني انا الذي اخبرت الامن وانني كنت وكيلا ووشيت بهم بينما واقع الحال ان الذي وشى بنا واخبر عن مكان اجتماعنا هو قارئ المقامات المعروف جابر الربيعي.
* ما الذي جرى بعد دخولك سوريا مع علي ماما ومرافق النايف؟!
- في سوريا قبل دخولنا وعلى الحدود اختلفت مع علي ماما.. انزلونا في فندق وجاء عدد من السياسيين العراقيين اللاجئين وسلموا علينا.. انا طلبت اللجوء فوافقوا لكنهم لم يوافقوا على لجوء علي ماما فتوجه الى القاهرة..
* انت كنت مقربا جدا من علي ماما وقد اثير لغط كثير عن علاقة علي ماما بالرئيس الاسبق صدام حسين فما حقيقة هذه العلاقة؟!
- علي ماما ليس له اي علاقة بصدام حسين.. علاقته فقط لان صدام ابن محلته ومنطقته.. لا يتبادلان اي حديث.. وليس صديقا له.. مرات يقف صدام على شاطئ دجلة يقرأ في كتاب.. صدام سياسي كان يعمل في السياسة والاحزاب.. كتوم وهادئ لا علاقة له بالشقاوات اطلاقا.. وهو ليس صديقا لعلي ماما ابدا.. انا قريب جدا من علي ماما واعرف بمن يلتقي علي ماما ومن هم أصدقاؤه فصدام ليس صديقا لاحد من الشقاوات في الكرخ.. صدام كان معروفا في الكرخ ولكن علي ماما ليس صديقه.. يتبادلان السلام والتحية لانهما من محلة واحدة هي محلة «التكارتة»..
* ما علاقة صدام حسين بحمودي الاقجم؟!
- اما ما قيل عن صداقة صدام للشقي حمودي الاقجم فلا اساس له من الصحة.. انا تعرفت على حمودي في سجن بغداد لاننا كنا ايام ذاك نتواجد في المزادات والمناقصات ولنا حصة مما يجري فيها.. صدام حسين كان وقحا وجسورا ولكنه لم يكن محسوبا على شقاوات زمانه بل كان «وقحا سياسيا« ان صح التعبير.. ثم ان علي ماما كان من القوميين وصدام حسين محسوب على البعثيين..
قلت له: نعود الى فترة لجوئكما في سوريا؟!
- في سوريا رفضت السلطات منح علي ماما اللجوء السياسي فغادر الى مصر وكان يقيم فيها شقيقه مهدي وهو من القوميين الناصريين ولاجئ سياسي هناك.. قال لي علي ماما فيما بعد انهم في القاهرة اهملوه ولم يحترموه وكان ينام في الحدائق.. وحصل اثناء وجود علي ماما في القاهرة ان كلفته جهة قومية عراقية معارضة للبعث الحاكم في بغداد بمهمة اغتيال صدام حسين اثناء زيارته المقررة للقاهرة عام 1971.. كان المكلفون بالاغتيال حسام القشطيني وجعفر جعمقه وعلي ماما.. وكانت الخطة ان يقوم هذا الفريق باغتيال صدام حال هبوطه من الطائرة في مطار القاهرة.. واذا فلت منها صدام يغتالوه في منطقة الدقي التي كان من المتوقع ان يزورها صدام باعتبارها المنطقة التي سكن فيها عندما كان لاجئا سياسيا في مصر بعد محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم عام 1959.. كان علي ماما ممتعضا من معاملة السلطات المصرية له واهمالها له فذهب واخبر الجهات العراقية بخطة اغتيال صدام.. اخبر اولا خيرالله طلفاح خال صدام حسين وكان موجودا في القاهرة انذاك وهذا بادر واخبر صدام بالخطة.. وبناء على موقف علي ماما صدر قرار من صدام بالعفو عنه ورجع الى العراق وكرمه صدام بتمليكه شقتين مؤثثتين في محلة التكارتة واحدة له والاخرى لابنته.. كان علي ماما قد تزوج من المرحومة «عبلة» وهي سيدة مصرية انجبت له ولدين وبنت وبعد وفاتها تزوج احدى قريباته وانجبت له ولدا..
* إذا انت تنفي وجود اي صداقة او علاقة بين علي ماما وصدام حسين؟
- اؤكد ليست هناك اي علاقة غير علاقة الجيرة بين علي ماما وصدام حسين ثم ان سمعة علي ماما محروقة لانه كان من رواد الملاهي ومشاكله كثيرة مع اصحاب الملاهي فمن المستحيل ان تجمعه اي علاقة من اي شكل كان مع صدام حسين الذي كان معروفا في المنطقة انه سياسي ملتزم بالبعث.. كان صدام هادئا ولا يختلق المشاكل لاسباب خاصة بانتمائه السياسي والحزبي.. ولهذا لا يمكن تخيل وجود علاقة بين صدام والشقاوات لان الاخرين اصحاب مشاكل لا تنتهي في الملاهي وهي امور محرمة على صدام وحياته السياسية والحزبية.. كنا نرى صدام يقف على شاطئ دجلة من جهة الكرخ وله جماعته لا نعرفهم وكانوا من السياسيين ايضا..
الجزء الثاني غداً

المشرق.