الهرب في زمن الكوليرا

بعد تصاعد وتيرة الهجرة الى اوروبا بين الاوساط الشبابية قاصدين اوروبا لتحقيق احلامهم المستقبلية البسيطة التي تعتبر في كل بلدان العالم هي حقوق للمواطنيين على الحكومة توفيرها الا في العراق تعتبرها الحكومة مطالب و احلام و منة من الحاكم على المحكوم فيما يعتبرها بعض السياسيين نوعاً من الرفاهية ، بدأنا نسمع اصواتا نشاز كانت لوقت قريب صامتة او تكتفي احيانا بالشجب و التنديد حالها كحال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رغم ما يحدث من اهوال و مأسي و قتل و أرهاب بمختلف الاشكال و الصنوف و قلة الكهرباء و البطالة وحالة الفساد المستشري في كل ملف و اضبارة في الدولة العراقية حالة بائسة بكل ما تعني الكلمة و لايوجد مثيل لها حتى في افقر البلدان الافريقية كل هذا و هي صامتة لكن عندما بدأ الشباب يفهمون اللعبة و نتائجها وان الايام القادمة لن تجلب الخير لهذا البلد تعالت الاصوات الدينية تارة و تدخلت العمائم و الدين كالمعتاد لأجبار الكل على الخضوع و تخويف الشباب بحرمة هذا العمل و عدم جوازه في حركة مشابهة لما فعلته العمائم في الانتخابات و ما رافقها من ٢٠٠٦ الى الان بطرق الترغيب و الترهيب و تارة اخرى خرج علينا اصحاب العروش و الكروش ينادوننا بأسم الوطن والوطنية ان لا نترك العراق في حين ان أولادهم لا يملكون جواز او جنسية عراقية لأنهم اصلاً مولودون في الخارج و بعضهم متزوج من اجنبيات عندما كان يؤدي الخدمة الجهادية في لندن و كندا و اميركا فخرجوا الان يتبجحون علينا و يقولون بأن هذه الهجرة هي مؤامرة لتفريغ العراق من ( طاقاته الشابة ) و تهديم البلد واذا كانت فعلاً مؤامرة كما تدعون فأنتم من صنعها و غذاها و قدمها للشباب على طبق من علقم لان طبق الذهب سرقتموه لكم و لأولادكم فقط كما سرقتوا اعمار الشباب و مستقبلهم .

في البداية يجب ان نشخص اسباب الهجرة و لماذا الشاب يضحي بحياته من اجلها هل تستحق هذا العناء و التضحية ؟ الاسباب اما تكون اقتصادية او آمنية او سياسية وهذه هي اسباب هجرة كل البشر من مكان الى اخر ، لكن حالة الفرد العراقي و الشاب خصوصاً حالة شاذة و جديدة كالمعتاد لأننا كعراقيين متميزون دائماً عن بقية البشر لكن فقط في المصائب و الويلات ، فأذا كنت غنياً فتلك مشكلة فربما هذه النعمة تنقلب الى نقمة اما يخطفوك او يخطفون اولادك و تدفع لهم الفدية و تجد اعز الناس مرمياً في المزابل او في احسن الاحوال بالطب العدلي او تكون فقيراً فيقتلك العوز و الجوع أي بمعنى انت في الحالتين مهدد بالموت السريع او البطئ حيث لايوجد فرق بينهما الا بطول المدة او قصرها ، اذا كنت سنياً و تسكن منطقة شيعية فممكن جداً ان تقتل امام دارك وانت الممنون و كذلك الشيعي في المناطق السُنية و تقتل فقط من أجل انتمائك لمذهب او دين او عشيرة او لأن اسمك عمر او علي او عبد الزهرة او بكر !!

كما أنك كشاب تعيش في بلدك مضطهد من الحكومة و الشرطة و الجيش و كأنك الزرقاوي و البغدادي وليس مواطن لا حول لك و لاقوة ، اما عن ابسط حقوق الشباب ومناهم هو التعيين فأنك تتحدث عن احد افلام الخيال العلمي خاصة بعد التقشف الحكومي و للشعب دور آخر في اضطهاد الشاب حيث اصبح المجتمع العراقي عموماً مجتمع متخلف تسيطر عليه القبلية والبدوية في ظل غياب القانون وهيبة الدولة فمن الممكن ان تخطأ انت خطأ صغيرا او قريب لك من نفس العشيرة يكلفك عمرك او ما تملك لأن من يحاكمك هو العرف العشائري و كأنك تسكن في قرية نائية في شمال اليمن السعيد ، و أضف الى كل ما ورد وسبق وباء الكوليرا لك ان تتخيل شخص يموت بالكوليرا في عام ٢٠١٥ و في دولة تمتلك اكبر احتياطي عالمي للنفط !!

اوروبا التي لا تعرفنا و لا تربطهم بنا اي صلة قرابة او نسب او دين او عرق استقبلتنا و آوتنا و تهتم بصحتنا و مأكلنا و تدفع لنا من أموال مواطنيها و خصصت موظفين و اطباء و بنايات لنا و الاهم من هذا كله اعتبرونا بشر اعطونا قيمتنا التي فقدناها في بلداننا و شعرنا بأدميتنا و انسانيتنا التي قتلتوها داخلنا و ممكن بعد فترة نصبح مواطنيين في اوروبا حالنا كحال أي اوروبي اعطتنا هذا كله بدون مقابل بدون ان تعرف هل نحن مسلمون مسيحيون صابئة إيزيديون عرباً او كرداً ، اوروبا اعطتنا مالم تعطيه لنا اوطاننا فهل اصبح لكم واضحاً لماذا نهاجر يا اصحاب العقول ( النيرة ) و يا اولي الالباب ؟