ورعاية اليتيم لا تقتصر على إيوائه أو إطعامه وسوى ذلك من التقديمات الماديّة، بل تتعدّى ذلك إلى رعايته رعاية أبويّة لها بُعدها المعنويّ والروحيّ وتعوِّضه من فقدان أبيه .
وشدّد الإسلام على تكريم اليتيم حتّى إنّه ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي أحرج عليكم حقّ الضعيفين من اليتيم والمرأة"في كنز العمال ج3 ص 168. ومعنى ذلك أنّه ينبغي الحرص على تكريمه حتّى ولو سبب ذلك حرجاً وضيقاً على المتكفّل، واعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ ذلك حقّ له، ولا يخفى أنّ كونه حقّاً له معنى ذلك أنه واجب علينا .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من مائدة أعظم بركة من مائدة جلس عليها يتيم"في كنز العمال ج3 ص 177.
ومن هنا وبالنظر إلى هذه الأشكال المختلفة لرعاية الأيتام والتي يعجز عنها الجهد الفرديّ كان لا بدّ من النظر بجديّة كبيرة إلى ضرورة إنشاء ودعم دور رعاية الأيتام تنهض بواجبٍ من أهمّ الواجبات الإلهيّة، والتي تجعل مجتمعنا مجتمعاً قويّاً متماسكاً أمام التحدّيات والصعوبات التي يكيدها له أعداء الله .
بركات إكرام اليتيم
إنزال الرزق واستجابة الدعاء: ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ *هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾آل عمران / 37 ـ 38 .
وفي الآية دلالة على أن التكفّل موجب لدرّ الرزق على الإنسان الذي نتكفّله، وأكثر من ذلك فإنّ التكفّل موجب
لاستجابة الدعاء، فإن الله استجاب دعاء زكريا حال كونه متكفّلاً لمريم، فإنّما طلب زكريّا حين رأى مريم على حالها أن يرزقه الله تعالى مثل مريم لما رأى من منزلتها عند الله، فرغب إلى الله في مثلها، وطلب إلى الله عزَّ وجلَّ أن يهب له ذريّة طيّبة مثل مريم، فأعطاه الله تعالى أفضل ممّا سأل .
عظيم الحسنات: عن الإمام عليّ عليه السلام: "مامن مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحمّاً له إلّا كتب الله له بكلّ شعرة مرت يده عليها حسنة"في جواهر الكلام ج4 ص 330 .
ومن الواضح أنّ الحديث لاحظ أبسط حالات التكريم أي مسح رأس اليتيم، ولعلّ الحديث ناظر إلى الناحية المعنويّة في التعامل مع اليتيم في حال عدم استطاعة تكريمه بالأمور الماديّة، فكيف بحالات التكريم الأعلى فالأعلى؟
جوار رسول الله في الجنّة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عزَّ وجلَّ - وأشار بالسبابة والوسطى"في ميزان الحكمة ج4 ص 3708
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله، وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنّة أخوين كما أنّ هاتين أختان - وألصق إصبعيه السبابة والوسطى" في ميزان الحكمة ج4 ص 3708 .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنّة، والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله" في كنز العمال 168 .
فجزاء إعالة اليتيم ليس دخول الجنة فحسب بل جزاؤه علوّ المقام ورفيع الدرجات وأجر المجاهدين وجوار الأنبياء في دار الخلود، وهنا إشارة مهمّة وهي أنّ هناك الكثير من الروايات التي وعدت أصحاب الأعمال الصالحة ببعض الحسنات أو الدرجات أو سوى ذلك، وأمّا أن تَعِدَ النصوص المقدّسة على فعلٍ ما بالجنّة دون تردّد فإنّ ذلك كاشف عمّا لهذا الفعل من أثر كبير في مسح السيّئات وتكفيرها والعفو عنها .
ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قبض يتيماً من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنّة البتّة، إلّا أن يعمل ذنباً لا
يغفر". وكأنّ في ذلك إشارة إلى أنّ هناك الكثير من الذنوب التي يغفرها تكفّل اليتيم ورعايته .
التفاصيل |
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) سورة البقرة الآية 220
(وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيم) سورة النساء الآية 127
(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ َ) سورة البقرة الآية 177
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآية 215
(وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) سورة النساء الآية 36
(كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) سورة الفجر الآية 17
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ) سورة الضحى الآية 9
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُور) سورة الإنسان الآيات 5-22
(وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ) الأنعام /.152
(فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) الماعون /.2
(وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) النساء/2 .
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى) النساء /10
(وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) الأنفال /41
هل تريد أن تكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؟
هل تريد أن تكسب مئات الحسنات بعمل يسير جدا؟
إذا أردت ذلك كله فكن لليتيم مكان والده ، أحسن إليه ، اقترب منه ، ابتسم له .. امسح رأسه ، طيب خاطره ..أدخل البسمة على روحه الظامئة .
الإحسان إلى اليتامى من أعظم البر والأجر : وقد جعل الله تعالى الإحسان إلى اليتامى من أعظم الدرجات ونوعا عظيماً من البر ، فقال تعالى أعلاه من سورة البقرة الآية177. وأن القرآن يذكر لنا أكثر من 30 آية في مختلف السور في النص الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والسنة النبوية وأهل البيت والصحابة كلهم كرموا اليتامى والأرامل وذكرت ما فيه الكفاية ألفت نظرك عزيزي هل تحب أن تكون جار رسول الله والراشدين وأهل البيت وصالحي المؤمنين يوم لا ينفع مالاً ولا بنون ... وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه منا السلام قد بلغ من عنايته باليتيم إذ بشر كافليه رفقاؤه في الجنة،
جنة عرضها السماوات والأرض حين قال : " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا.وقد قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة ، ولا منزلة أفضل من ذلك. وفي إحسان اليتامى نجاة إذ قال تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ
فَكُّ رَقَبَةٍ
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ
يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ) البلد 11 ـ 15 .
نعم يا عزيزي أهوال يوم القيامة عظيمة وكربتها شديدة وقد جعل الله لكافل اليتيم منها نجاة ومخرجاً في سورة البلد أعلاه .
وبذل الحنان لليتامى يذهب قسوة القلب ، عندما شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه منا السلام قسوة قلبه فأوصاه أن يمسح رأس اليتيم .
ومدح النبي نساء قريش لرعايتهن اليتامى: " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ،أحناه على يتيم في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ".
ولما أستشهد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه تعهد الرسول أولاده وأخذهم معه إلى بيته ، فلما ذكرت أمهم من يتمهم وحاجتهم ، قال: " العيلة ( يعني الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ".
ورعاية مال اليتيم اليوم مسؤولية الدولة ومؤسساتها لأن الذين تيتموا من جراء الحروب والدمار الدولة الفتية هي المسؤولة على أبنائها وعلى أمهاتهم الثكلى وأن الدولة من واجبها الشرعي التخفيف عن ذويهم واحتضان أيتام الوطن . وأن كان العارض في حالة السلم أيضاً المسؤول الأول هي الدولة. واليوم مأساة الحرب والويلات.. وبعد أن فرز الحرب
الحرب أرامل وأيتام ومعوقين والثكلى...!، وليس من الوفاء التغافل عنهم ، بعد أن قدم أولياهم أروحهم للوطن ونصرته ولذلك اعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه منا السلام : ( الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار). ووعد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه منا السلام كافل اليتيم بأن يكون رفيقه في الجنة ..هل تود مجاورة الحبيب يا ترى؟ وأن التكافل مع من أوذي في الله ، أو أصيب في سبيل الله ، وإن الواقع العملي لمجتمع المسلمين الأوائل ، كان يمثل أسمى صور التكافل ،ابتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه منا السلام والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين والصحابة الكرام وأبتدأ برسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه منا السلام : " من مسح يده على رأس اليتيم ترحماً له كتب الله له بكل شعرة مرة عليه يده حسمة" وقيل عن الإمام الرضا رضوان الله عليه وسلامه :أن اليتامى والمساكين وأبن السبيل عام في المشرك والذمي والغني والفقير ، خصه من له الصفة . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه منا السلام : "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم " .وكان الإمام الحسين رضوان الله عليه وسلامه ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين .وقيل لكل شيء حيلة ،وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال : مسح رؤوس اليتامى ، والتعطف على الأرامل ، والسعي في حوائج الناس ، والتفقد للفقراء والمساكين.وعن أبي عبدالله رضوان الله عليه وسلامه قال : قال أمير المؤمنين الإمام علي كرم الله وجهه ورضوان الله عليه وسلامه في خطبته : أنا الهادي ، أنا المهتدي .أنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل . وأنا ملجأ كل ضعيف ومأمن كل خائف .وأن المهاجرين من أحوج الناس إلى أنصار يتكافلون معه، لغربته وفقره وانقطاعه....وقد ضرب أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكبر الأمثلة في التكافل مع إخوانهم المهاجرين، وكان منها أن أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقسم النخل، بينهم وبين المهاجرين، فقال: لا. فقال الأنصار: ( تكفونا المؤونة، ونشرككم في الثمرة) وبذلك عمل بعض المهاجرين في بساتين الأنصار، وقاسموهم الثمار، وحُلّت مشكلة البطالة والفقر، وكان من صور تكافلهم أن المهاجر كان يرث أخاه الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى رسول الله بينهما، وكانت مرحلة استصفت النفوس، وأخلصتها لله، ثم نُسخ ذلك .
وهذا التكافل لا يبرز بأسمى صوره، إلا كلما تعمقت معاني الأخوة والإيثار، واندثرت جذور الأنانية والاستئثار. وقد صور هذا التكافل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل عليه رجلً أصيب في وجهه في غزوة فأمر
بإعطائه ألف درهم، و كل ساعة يزيده ألفا، حتى استحيا الرجل فخرج، فقال عمر: ( أما والله لو أنه مكث، ما زلت أعطيه ــ ما بقي من المال درهم ــ رجل ضُرب ضربة في سبيل الله، خضّرت وجهه) و هكذا يكون الوفاء لذوي سابقة الخير. ومن أسمى الأخلاق: أن يُقابَل التكافل بعفة نفس المحتاج؛ كما فعل علي أبن أبي طالب وفاطمة الزهراء عليهم السلام ورضوانه عليهما عندما تكفلوا في رمضان وإطعام المسكين واليتيم والأسير و بقوا صياماً وذكرهم الله في القرآن قال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) الإنسان /8 . ولهذا كان مجتمعهم متماسك وتراهم كانوا يستطيعون أن يجاهدوا في سبيل الله وكانوا فعلاً صفاً ، كأنهم بنيان مرصوص ، واليوم تجد مجتمعاتنا فيه البخل والأنانية متصدعين في داخلهم ، يأكل العدوات والأحقاد صفهم ...! فهل يا ترى أي متى نصحوا من غفلتنا...؟ هل نختار ما كان على عهد رسول الله والراشدين ؟ ونرجع ونتحلى بهذا البيت :
أن كانت الأيتام لا تجزكم .... فالله يجزيكم عن الأيتامِ
ونعم ما قيل في اليتيمة :
إن القبور تنكح الأيامى .. النسوة الأرامل اليتامى ..
ويداً بيد لدعم الجيش والحشد الشعبي لدحر الإرهابيين والقاعدة والدولة الإسلامية الداعشية والإسلام منهم برئ ونرجو أن يتعاون ويتآخى الجميع لدعم الجيش والحشد الشعبي ونصرة المهجرين والأيتام والأرامل والمسنين لعودة الرفاء للعراق وسوريا والمنطقة وأن جميع الأقليات هي مكونات الشعوب كما أن اليهود والمسيحين الصابئة والأيزدين والشبك والتركمان والمسفرين التبعية والأكراد الفيلية وأكراد الشمال والمسلمين كلهم بجميع مذاهبهم والعلوية والدروز كلهم من مكونات الشعب العراقي وفي دول الجوار أيضا والله لي التوفيق ونهدي ثواب الفاتحة مقرونة بالصلوات على محمد وآل محمد ولروح المؤمنين والمؤمنات ولروح أمي وأبي منها نصيباً والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
|