إفلاس

تجددت الدعوات السياسية والصحافية إلى إغلاق الجامعة العربية. وهي دعوة تتكرر كلما مرت المنطقة في أزمة كبرى ولم تقدر الجامعة على أكثر من بيان مُردَّد متردِّد، أو لقاء وزاري، ينتهي هو أيضًا بلجنة أو بيان.
ولطالما كررنا نحن أيضًا، أن الجامعة لا تستطيع أن تكون مختلفة عن أعضائها وعلاقاتهم وعداواتهم ومشكلاتهم. والذين يعودون إلى المطالبة بنقلها من القاهرة وإخراجها من النفوذ المصري، نطرح سؤالاً بسيطًا: نحن معكم. تفضلوا اقترحوا البديل.
بغداد؟ دمشق؟ بيروت؟ طرابلس؟ صنعاء؟ تونس؟ الجزائر؟ هل ننقلها إلى الأردن المثقل بأعبائه وأعبائنا؟ إلى المغرب الذي يريد الابتعاد عن الكوليرا العربية من أجل المضي في مسيرة التنمية؟ لقد نُقلت الجامعة إلى تونس، هي ومنظمة التحرير، لكن تبين للاثنتين أنه من دون وزن مصر، تتضعضع القوة العربية، الضعيفة أصلاً.
إلى حد بعيد، الجامعة وجود معنوي وحيوي، يرتبط حجمه أيضًا إلى حد بعيد بحيوية الأمين العام. لذلك، لم تحقق الجامعة شيئًا في تونس، لكن شخصية الشاذلي القليبي تركت أثرًا عميقًا حتى على الصعيد الدولي. وعندما عادت إلى القاهرة مع عودة مصر، والدكتور عصمت عبد المجيد كان الدبلوماسي العريق قد بلغ من العمر سن الحكمة والتعب. ومن بعده أُبعد عمرو موسى إلى الأمانة العامة لكي لا يبقى في أذهان الناس مرشحًا شعبيًا للرئاسة. وكما فعل عمرو موسى بالخارجية المصرية من قبل، حوَّل الأمانة العامة إلى حركة وحيوية وحضور، وتنقّل بين الدول العربية «المتصالحة» وملاحة عبر الأمواج.
مع الدكتور نبيل العربي، القادم من المحكمة الدولية في لاهاي، دخلت مصر، ودخل العالم العربي معها، في أصعب متاهة منذ قيام الجامعة في الأربعينات. واحتد التفكك واشتد العداء. وصارت فلسطين فلسطينين. ولم يعد العراق يرسل جيوشه إلى الخارج، لكن جيشه لم يعد قادرًا على ضبط أمنه الداخلي. وتحولت سوريا إلى معضلة، أحد وجوهها عضويتها في الجامعة. وقامت ثورة مصر قبالة مقر الجامعة، فتعطل عمل الاثنين، وانتقل العالم إلى الميدان ينام ويقوم، ومعه يستيقظ أوباما، للمرة الأولى، ليقول لرئيس مصر: ارحل، وارحل الآن.
رحل مبارك، ورحلت مصر، وطاف الربيع العربي ينثر زهوره في كل مكان، يذكرك لشدة جماله وشقائق نعمانه، بيوم هلل له السوري البحتري قائلاً: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا / من الحسن حتى كاد أن يتكلما!