ستمعت إلى سياسي احتل موقعا حكوميا كبيرا جدا يقول إن الدستور العراقي مليء بالألغام، كان ذلك بعد اقرار الدستور بخمس سنوات تقريبا، تذكرت حينها عدد المرات التي وصفت فيها الدستور بأنه “مليء بالالغام وأنه سينفجر على الذين ساروا فيه وكتبوه ومرروه”، لكن الفرق بين كلامي المبكر وكلام المسؤول الحكومي الكبير أن كلامي في وقته ذهب ادراج الرياح في حين تناول محللون ومفكرون وسياسيون في الكثير من وسائل الإعلام ما قاله المسؤول وأخذ مساحات واسعة من النقاش والتعبئة للناس، وبالمناسبة فإن ما قلته كان تحذيرا من خطورة الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في الخامس عشر من اكتوبر عام 2005 ، في حين كان انتقاد المسؤول الكبير للدستور لأنه أراد تعديله لمنحه صلاحيات إضافية بالإضافة للصلاحيات المطلقة التي منحها إياه هذا الدستور” الكارثة”، وللأسف الشديد كان الجمهور العراقي المستهلك لخطابات المسؤولين يتفاعل مع الذين ثبت اجرامهم بحق العراقيين جميعا وسرقتهم للمال العام في حين ظل تأثير خطاب القوى الوطنية والشخصيات المستقلة غير فعال وإن حصل ذلك ففي حيز ضعيف ومحدود جدا. حسب قانون ادارة الدولة “المرض الاول” جرى الحديث عن ما اسموه “نقل السيادة ” في نهاية يونيو 2004 عندما تولى اياد علاوي رئاسة الحكومة مودعا بريمر، وتحدث علاوي وغيره ليل نهار متفاخرين بنقل السيادة وفي الحقيقة لم يكن هؤلاء إلا مرددين لكلام لا معنى له، واتضح هذا لاحقا للعراقيين، لكن الذاكرة الجمعية للناس تلاحق الخبر الجديد وتنسى الكوارث السابقة, وفي ظل قانون ادارة الدولة تم تأسيس الأجهزة الأمنية على اساس طائفي وعرقي، وفي ظل هذا القانون جرى التأسيس لما أسموه ” الانتخابات ” لتثبيت مرتكزات مجلس الحكم سييء الصيت والممارسات. في عام 2003 بدأ الحديث عن سرقات كبيرة من المال العام وكتبت صحف أميركية عن سرقة بريمر لثمانية مليارات دولار، وفي عام 2004 بدأت قوات الجيش بحرب شرسة مع قوات الاحتلال الأمريكي ضد مدينتي النجف والفلوجة، وبعد ذلك في عام 2005 أظهرت الأجهزة الأمنية ابشع الممارسات من تعذيب وحشي للعراقيين المعتقلين وانتشرت ظاهرة الجثث المشوهة المرمية في الطرقات بعد اعتقالها من قبل أجهزة وزارة الداخلية والدفاع، وظهر وزراء فاسدون تأكد سرقتهم مليارات الدولارات واضطر الملايين من العراقيين الهروب من بلاد الرافدين. رغم ذلك فقد تم الاستفتاء على الدستور، وهو في واقع الحال نسخة كاملة لقانون ادارة الدولة “المرض الأول” ورغم التحذير من خطورة هذا الدستور إلا أن الغلبة كانت لوسائل الإعلام الحكومية والأميركية ووسائل إعلام عربية دافعت عن العملية السياسية الشوهاء ودعمتها بكل ما تملك من أدوات، ووقف محللون وما يسمى بالمفكرين وشخصيات كثيرة داعمة للدستور وتسابق الكثير من العراقيين للاستفتاء عليه وهو اعتراف بالعملية السياسية التخريبية وتكريس لها.
|