العراق تايمز: كتب الدكتور محمد ال حسوني..
بعد أكثر من ربع قرن على التخرج دعانا ابن دورتنا د.لؤي الى بيته الجميل في الدانمارك والى حفلة لم شمل في عطلة نهاية الأسبوع..إلتقينا هناك وعددنا 8 ...نحن من تخرّج من طب بغداد عام 1987 وإنتشرنا في الشتات و(طشش عويله الطششانه )..كانت توليفة مختلفة من النسيج العراقي ...عرب بنوعيهم شيعه وسنة ..أكراد بنوعيهم شمالي وفيلي....تركمان ..ومسيحيين أرمن ..جراحين ..اطباء تخدير... أطباء أسرة ..
إلتقينا مساء واكلنا الكباب العراقي والقوزي والتشريب في مطعم في كوبنهاجن وكان مضيّفنا كريماً جداً معنا..وفي لحظة معينة لم نتذكّر سوى كوننا طلبة ننتشر في باب المعظم وفي دهاليز مدينة الطب وكلية الطب ومختبراتها وبين نافوراتها وفي قاعاتها.
سهرنا ضحكنا رقصنا غنينا وكان العراق هو ضحكتنا ودمعتنا ولوعتنا وبهجتنا ..كانت أحاديث الحب في كلية الطب قبل ربع قرن تقفز بين لحظة وأخرى الى الذاكرة تتبعها ضحكة مجلجلة أيقظت موتى الدانمارك من نومهم ..كان حسّون سبب بهجتنا ..
توزعنا على غرف المنزل للنوم ولم أكن محظوظاً حيث كان شريكي في الغرفة يعزف سمفونيات في شخيره ......سهرنا ضحكنا رقصنا غنينا وكان العراق هو ضحكتنا ودمعتنا ولوعتنا وبهجتنا .
إستيقظنا صباحاً وكان لؤي جراح المفاصل قد (نكّع وزنه باكله)...فتاح الجراح التجميلي قام بتقشير البصل ووسام طبيب التخدير قام بقلي البيض.وأعتقد أن نزار الأرمني قد أعد الشاي Nazar Merzoian..أما نحن الذين لانتقن الطبخ فلقد كانت مهمتنا حمل الصحون ومن ثم وضعها في غسالتها..
كانت فكرة العودة للعراق تقفز بين لحظة وأخرى في الحديث...إثنان منا ..المتحدث وزميل آخر قد حاولنا فعلا العودة ..أنا عدت عام 2009 لمدة 3 أشهر وعدت بخفي حنين الى السويد وأحد الجراحين ذهب وقدم معاملته الى وزارة الصحة ونامت عليها طابوقة الوزارة والروتين بعد ان قوبل بسخرية الموظفين : إمخبل راجع؟
بتنا الجمعة والسبت وإفترقنا بصعوبه عند صباح الأحد مع غصة في القلب وسؤال : هل سنعود يوما الى بلادنا؟ فينا من إتخذ القرار بعدم العودة فلقد خرج من العراق بعد محاولة إختطاف وطعن بسكين بعد خروجه من عيادته عام 2006.
اليوم أنهت هذه الصوره ترددي وأجابت على أسئلتنا بالعودة...هذا الصورة لبيت لجراح خدم البصرة ل30 عاماً ..إنّه ليس بيت لمدير مخابرات في زمن صدام ..ليس بيت لأمين سر فرع البصرة .إنه ليس بيت لأحد حاكمي البصرة الفاسدين بعد 2003 والذين أهلكوا الحرث والزرع ..ليس بيت لرئيس ميليشيا قتلت من يقف ضد أجندات الحاكمين.....إنه بيت جراح خدم البصرة لأكثر من ربع قرن فأهلنا الطيبون بدلاً من التوجه الى الفاسدين توجهوا الى أطبّائهم (حايط انصيّص) وكتبوا مطلوب دم ....
الموت بسبب العمليات يحدث في أي مكان ...في السويد يقوم الجراح بالتوضيح للمريض أن هنالك نسبة وفيات في العملية ..ويقبل المريض بذلك ويسجل الجراح ذلك في ملف المريض. الحىكومة المريضة الإرادة والقرار غير قادرة عل حماية الأطباء من القوانين العشائرية بعد أن قامت الحكومات السابقة بتقوية القانون العشائري وإهداء شيوخ العشائر مليارات من ميزانية الشعب لأجل الإنتخابات فكانت سيادة قانون القبيلة بدلاً من سيادة القانون والدولة المدنية ..آخر إهتمامات ساسة العراق هو سلامة أطباء العراق........حين تركت العراق في عام 2007 كان قد بلغ عدد الأطباء الذين تم إغتيالهم أكثر من 700 طبيب ..نحن الشعب الوحيد الذي قتل الأطباء وبعدنا بدات الباكستان ...فهل هناك من يجرؤ على القول الآن : لماذا تهاجرون ؟؟لماذا لاتعودون؟؟