هجرة النوارس بين الأمس واليوم |
انتشرت هذه الأيام، ظاهرة جديدة في وسط الشباب العراقي، ألا وهي ظاهرة الهجرة غير الشرعية، إلى بلدان أوربا وإستراليا. عند التدقيق في تاريخ العراق الطويل، نجد أن موجات النزوح التي تعرض لها العراقيون، ليست وليدة اليوم، ولا هي صدفة عابرة، بل تكاد تكون سمة للمجتمع العراقي، فهي -الهجرة- تارة تكون قسرية، بفعل الحكام، أو إختيارية نتيجة للبطش الذي يتعرضون له يذكر التاريخ؛ أن من أوائل حركة هجرة العرافيين، كانت بقيام العيلاميين، بالاغارة على مملكة سومر، وأسر ملكهم، ونفيه إلى منطقة الشوش وتشريد الأهالي عام 2320 قبل الميلاد. إستمرت موجات ترحيل العراقيين إلى العصر الإسلامي، وما قام به عبيد الله بن زياد والحجاج، وغيرهم،من بنو أمية، بإبعاد العراقيين من مراكزهم، وأهمها الكوفة إلى مناطق في خرسان وغيرها، إلا شاهد على الأمر، وكذلك فعل بنو العباس مثل فعل بني أمية بعد سقوط الدولة العباسية، وتوالي الغزو الخارجي على العراق، إستمرت موجات النزوح، حتى وصل الأمر إلى الدولة العثمانية، والتي مارست شتى أنواع التنكيل بالعراقيين، وخصوصا أهل الوسط والجنوب الشيعة منهم. وكانت واحدة من الشواهد، على تهجير العراقيين، هو قيام الوالي درويش محمد باشا، بإخماد حركة عصيان أمير الخزاعل (مهنا بن علي) في السماوة عام 1638م، والتي على اثرها هرب أمير الخزاعل ومن معه إلى مناطق أخرى في الأهواز. إستمرت الدولة العثمانية بملاحقة العراقين، ومنها اعتقال ونفي السيد المرجع، نصر الله الجزائري إلى دمشق، ثم اسطنبول، ليتم اغتياله هناك، وكان هذا في حدود عام 1740م. مسلسل التهجير القسري استمر ايضا في فترة الاحتلال البريطاني، وإبعاد قادة ثورة العشرين، من رجال دين ومشايخ ونفيهم من العراق. الهجرة الأبرز للعراقيين، كانت عند تسلم البعثيون للسلطة عام 1968، لتبلغ أوجها عام 1979، بتسلم المجرم صدام للحكم. مارس صدام اقسى حالات التنكيل بالعراقيين، والتي إضطرت العراقيين معها، للهرب من بطشه، فحصلت نوبات نزوح فردي وجماعي، إلى كل أقطار العالم، ليكتمل المشهد بعد حرب 1991، حيث شهد العراق موجة هجرة لم يشهد التاريخ مثلها. بعد سقوط نظام البعث، وبسبب الانفلات الامني، حصلت ايضا موجة نزوح بعد 2003 من العراق. في الوقت الحالي؛ وبعد أحداث داعش، وعلى حين غرة، طفت للسطح، ظاهرة غريبة، وهي هجرة العراقيين بصورة كبيرة، وبطرق مخيفة، عن طريق سماسرة التهريب في البحر، والذي أكل كثير من المهاجرين. لا أريد أن أتكلم بنظرية المؤامرة، لكن من قراءة وتحليل طبيعة ونوعية وظروف الهجرة، والمهاجرين، نجد أن هننلك أصابع خفية، عَمِلت على هذه الهجرة. بدءا؛ لو قارنا هذه الهجرة بسابقاتها، نجدها إختيارية، وليست كالسابق قسرية، ثم ليس هناك ما يدعو للهجرة، من قبيل وجود نظام دكتاتوري أو ما شاكل. الأمر الآخر؛ هو إن أغلب المهاجرين هم من أبناء الوسط والجنوب الشيعة، والذين تعتبر مناطقهم آمنة نسبيا، وبدأت فيها بوادر التحسن الإقتصادي، من خلال المشاريع النفطية، والموانئ والمطارات. كذلك فإن أغلب المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 14 و35 عام، وهذا يعني إفراغ العراق من طاقته الشبابية. ومن الأمور إيضا هو ترحيب اوربا باللاجئين وخصوصا إلمانيا. هذه الامور؛ تجعلنا نعلم علم اليقين، بوجود محرك لهذه الهجرة، يحركها من واقع حقده على العراق، فمن خلال استقراء ما سبق من إمور، نجد إن في المحصلة حدث الاتي . إفراغ العراق من طاقته الشبابية، مما يؤثر على إدامة زخم المعركة، كذلك التأثير المعنوي على نفسية الشعب العراقي، وعلى المقاتلين في جبهات القتال، ايضا من الامور الحاصلة، هو تجهيز اوربا بطاقات شبابية، هي بحاجة لها، لان النمو السكاني في اوربا، يتراوبح بين 1و2%، أي إن بلدان اوربا هي بلدان عجوز. الأمر الأهم، هو إفراغ العراق من طاقته العلمية، والأكاديمية، من خلال هجرة الكفاءات، كذلك التأثير على الأقتصاد العراقي، من خلال إخراج العملة الصعبة، عن طريق المهاجرين، علما ان المهاجر، يصرف ما يقرب من اثني عشر الف دولار، لحين وصوله الى مخيمات اللاجئين، وهذه الحالة بحد ذاتها، حرب اقتصادية خفية ضد العراق، ومن جانب آخر؛ دعم للجماعات المسلحة، الضالعة بعمليات التهريب. خلاصة القول؛ هو إن ظاهرة الهجرة، هي خطة معدة لتدمير ما تبقى من العراق، وعلى أبناءنا التنبه لخطورة الموقف، وعدم الانسياق وراء الدعايات المظللة، التي تهدف الى القضاء على ما تبقى من العراق. |