كان لجارنا عندول ابن الحاج شاكر خمس صفات: الوفاء، الذكاء، البداهة، البدانة، والشراهة في الكذب. ذات نهار وكان يوم جمعة جلسنا على الجُرف نتفاخر أيّنا أكثر مشاكسة. حدّثته عن هوايتي في جمع الخنافِس وتعذيبهن بقلع أرجلهن على مهل، فقال: قديمة. رويت له حكاية الفأر الذي أمسكت به وأنزلته في برشوت من السطح. تلاقفه الصبية يومها بالصلابيخ حتى قضى، فهزّ بيده وقال: والله هواي! قلت حسناً عندول، دعك من هذي وتلك، ولكني أتحدّاك أن تأتي لي بطفلٍ حرق مطبخ أمه بسبب مرقة! أنا فعلتها، لقد حرقت مطبخ أمي لأنّها كانت تجبرني على أكل مرقة الطرشانة. الطرشانة حلوة، وأنا أحب المالح من الطعام، لذا حرقت لها المطبخ وجعلت النيران تتصاعد في السماء. المسكينة، رأيتها ذاك اليوم تلطم على خدّيها وتبكي. قال: هذا كل ما عندك؟! اسمعني إذن. قلت تفضّلْ. قال: أنا لا أعذّب الخنفساوات ولا أجهز على الفئران في الحرب. أنا أطير. نعم، أطير. أحلّق عالياً كلّما ضاق صدري. لي جناحان أستعملهما متى ماشئت. في يوم من الأيام حبستني أمي فوق السطح كي لا أخرج للعب في الشارع، فشعرت بالضيق حينها. أفردت جناحيّ وطرت. وأين ذهبت؟، قاطعته. قال: جئت هنا. الى مكان راحتي، الجُرف. شربت ماء النهر كله وعاودت الطيران. وقفت في السماء أخفق بجناحيّ ثم أنزلت سروالي وأمطرت النار بالبول. لقد أفرغت مثانتي العظيمة كلها وأطفأت المطبخ وسط تصفيق الرجال وهلاهل النسوة. قلت: لحظة.. لحظة، يا مطبخ؟ قال: مطبخ أمك يا چذاب.
|