عيد في زمن الكوليرا

 

قد يجسد هذا العنوان، الذي اختارته الناشطة منى كاظم الهلالي رئيسة منظمة اور لثقافة المرأة والطفل ليتصدر احدى صفحاتها الشخصية، بــــعض ما نحن فيه من مآسٍ وويلات من بينها وباء الكوليرا الذي تمدد ليعلن حضوره القاتل مع ادوات ووسائل الارهاب الاخرى التي تحصد ارواحنا  من غير رادع منذ ما بعد 2003 والى الان ..

 

ومثلما كان الفساد سبباً في كل ما نحن فيه من تردي وانحدار وتراجع ، فانه يقف  ايضاً وراء  ظهور هذا الوباء مجدداً بعد ان تم القضاء عليه في العراق مع غيره من الاوبئة منذ سنوات طويلة وبحسب شهادات منظمة الصحة العالمية آنذاك الموثقة ..كما ان هذا الفساد نفسه هو من يعرقل تطويقه وعدم انتشاره ، لذا ترانا نسمع عن تزايد نسبة عدد المصابين به او المتوفين جرائه . .

 

لهذا فليس من الغريب ان تمر ايام عيد الاضحى المبارك كسابقاتها كئيبة خالية من مظاهر الفرح الحقيقي التي لم نعد نراها حتى في وجوه الاطفال الابرياء المتحملين من دون ذنب اوضاعاً شاذة واستثنائية في كل شيء ، في مسلسل القتل اليومي بالمفخخات والعبوات والاختطاف او في اداء اجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية او في معالجة ازمات البلد المالية والاقتصادية ..

 

صار كل شيء استثنائياً بسوئه في عراق ما بعد الاحتلال فكان خوفنا نحن المواطنون البسطاء هو الاخر استثنائياً ليس له ما يضاهيه فلم نعد نحس باعيادنا برغم اجترارنا عبارات التهنئة والتبريكات والابتسامات الباهتة للحفاظ على بقية امل تكاد تضيع ان لم تكن فقدت عند الكثيرين ..

 

نعترف بان الصورة سوداوية وقاتمة ولابد ان نعتذر من القارئ ازائها لكنها الحقيقة المرة التي لامناص من الاقرار بها ..

 

صـــــــورة يعرفـــــها الشاب الذي اختار الهرب والمرأة التي حملت طفلـــــــها لتعــــبر به المحيطات بحثاً عن مكان آمن والعجوز الذي يتجرع مـــرارة فراق الاحبة نعـــــــرفها جميعاً ونعلم جيداً اسبابها لكننا لانملك غير اصواتنا التي بحت من كثرة الصراخ وآهاتنا ومنا شداتـــنا من اجل الاصلاح والتغيير من دون ان يكترث سياسيو الصدفة ممن تاجروا بدمائنا واثروا على حساب جوعنا ومرضنا وازدادوا طغياناً وظلماً .. فكيف يمكن ان يكون عيدنا في زمن الكوليرا؟!

 

في زمن صار كل شيء فيه متاحاً للفاسدين ومظلاتهم السياسية  دون سواهم فكان ظهور الكوليرا في بلد كالعراق ليس بالغريب مثلما كان ظهور عصابة داعش الارهابية وتدنيسها ارض نينوى وتمددها في الانبار ومناطق عزيزة اخرى ..

 

ولم يعـــــــد احد يســـــتغرب ان يرى ميليشــــــــــيا طائفية تشوه الهدف النبيل والسامي لشهداء الحشد الشعبي وتستهين بشهدائه الاطهار عندما تصول وتجول  لترتكب جرائمها في مدننا  وفي وضح النهار من دون ان يجرؤ احد على تسميتها برغم انها  معروفة ومشخصة ..

 

فاي عيد يمكن ان نعيش ايامه كبقية خلق الله وما زالت الالاف من العراقيات سبايا ايزيديات او مسيحيات وحتى مسلمات يغتصبن من ارذل المخلوقات واكثرها وحشية وخسة ؟!! ومن اين لنا ان نصطنع الفرح وبوادر الاصلاح  حتى الشكلية منها لم تتتحقق  ؟!!..

 

بعــــــد كل هذا اليــــــست الكوليـــــــرا نتيجة لكل هذا التخبط السياسي والاقتصادي وحفنة الفاشلين من سياسيي الصدفة ؟! فاعذرونا انه عيد في زمن الكوليرا التي اودت باحلامنا بعد كل هذا الصير ..

 

اعذرونا لم يكن في نفوسنا من عيد !! فقد سرقتم ايها المتاجرون بالسياسة وبالدين وبالقيم كل شيء ولم تبقوا غير امل نراه في ساحة التحرير والمحافظات كل جمعة ومع ذلك لاتريدون لهذا ان يستمر .. فمن اي البشر انتم ؟!!