الكوليرا هدية الديمقراطية

 

   لا احد كان يتوقع ان تكون مشكلتنا الجديدة مع الكوليرا هذا الضيف الغامض الذي فاجأنا في وقت صعب للغاية.فالوضع العام لا يحتمل هذه السخرية الجديدة التي خطفت ارواح الابرياء لسبب تافه جدا هو الكوليرا.ففي البلدان المحترمة يكون الوباء وصمة عار في جبين الحكومة.ان انتشار وباء او مرض خطير لا يقل اهمية عن الهزيمة العسكرية.وقد ذقنا مرارة سقوط الموصل دون ان نجد رد فعل مناسب ازاء هذا الحدث.كذلك لم نجد اي رد فعل حين مات الابرياء بوباء الكوليرا هذه الهدية الجديدة التي قدمها لنا الاهمال الحكومي.  الطريف في بيت الديمقراطية هو ان الاستقالة لا تخطر على بال احد من المسؤولين.وهذا يعني ان المسؤول لا يشعر بانه مسؤول لان الاخطاء والنكبات واردة ويمكن معالجتها.هكذا يفكر الكثيرون لذلك نرى ان كل ما يقع وهو غير قليل لا يؤثر في احد.كل شيء يسير بانتظام في هذه الدولة البعيدة عن قياسات الدول الحقيقية.واذا شئت ان اكون دقيقا لقلت بكل صراحة اني اعيش في اغرب الدول على الاطلاق.واغرب ما اراه هو عدم تاثر احد بمصائب الناس واحزانهم.  انا اتحدث هنا عن مشاركة وجدانية انسانية بين الحكومة وبين الضحايا.احيانا يقيم الانسان علاقة رائعة وودية مع كلب او اسد لكنه يعجز ان يبكي اذا مات ابرياء بمرض الكوليرا لان الماء الذي شربوه كان قذرا.هذا ما اؤكد عليه.ان يحاول المسؤول الشعور بالاخرين الذين تناساهم وتركهم لمصيرهم.وفي الحقيقة فانا لا اعرف كيف افسر هذه البلادة السياسية حين يموت الاطفال بالماء القذر والمسؤول يظهر انيقا ومتمالكا لاعصابه.انه يمثل دورا ليس الا.اما المشاركة والعطف والحنو الابوي فهذا ما لا يفعله ابدا.