أِشاعة الأِنقلاب !

في البداية لايوجد عاقل على هذه الواسعة يتمنى ان تسفك الدماء انهاراً وتستباح الكرامات في وطنه . ومن يتمنى ذلك انما هو أِما أَن يكون مجنون أَو منحرف أَخلاقياً بحيث يعرف تماماً ان حياته لاتستقيم أِلا مع الفوضى أَياً كانت نتائجها والذين يملكون عقولاً بهذا المستوى في العراق هم كثر  .

( الأنقلاب ) في مفهومه العام تعريفاً هو أِزاحة مفاجئة لحكومةٍ ما بفعل مجموعة تنتمي لمؤسسة الدولة أو خارجها وهي عادةً ماتكون من أفراج القوات المسلحة وتقوم هذه المجموعة بنتصيب سلطة جديدة مدنية أو عسكرية . ويعد الأنقلاب ناجحاً اذا تمكنت المجموعة من فرض هيمنتها بوقت قصير وأِن لم يتمكنوا فأن حرباً أهلية ستكون واقعة لامحال في بلد الأنقلاب .

في الأمور الطبيعية المعتادة يستغل الأنقلابيون ضعف الحكومة وقلة الدعم لها من الشارع ليفرضوا هيمنتهم للسيطرة على الجانب السياسي للبلد .

ولايمكن تحديد الجهة المنفذة للأنقلاب بأن تكون عسكرية نظامية او شبه نظامية . ولأن الأنقلابات في مفهومها العام تعد ضرب للديمقراطية فقد ظهر حديثاً فكر معارض لتلك الفكرة فقدمت مفهوماً جديداً أسمته (الأنقلاب الديمقراطي ) والذي يأتي تنفيذاً لرغبة جماهيرية نتيجة لحراك شعبي ضد نظام سلطوي قمعي شمولي فيسقط ذلك النظام بهدف اجراء انتخابات مبكرة لتأتي بقيادة مدنية وهو ماحصل في جمهورية مصر العربية حين خرج أكثر من 30 مليون مواطن مصري مطالبين بأسقاط حكم الأخوان المسلمين وليقف الجيش مع أرادة الشعب وينفذ انقلاباً ابيض أسقط نظام محمد مرسي وأسس لنظام جديد يقودة الآن عبد الفتاح السيسي ومثله كذلك الأنقلاب الذي حصل في السودان والذي نُصِب بموجبه عبد الرحمن سوار الذهب رئيساً للسودان عام 1985 ومن ثم سلم الحكم الى أحمد الميرغني والصادق المهدي .

في العراق الوضع مختلف تماماً عن تلك المفاهيم وكل ماحدث في العراق من أنقلابات كان دموياً الى حد النخاع نتيجة لقلة ثقافة التغيير الأيجابي وتعمد الأنظمة والحكومات زرع الأحقاد بين الناس وأشاعة روح الأنتقام وكان من نتاج هذه الثقافات أَن جرائم بشعة كانت ترافق أنقلابات العراق ففي يوم 14 تموز من عام 1958 قامت مجموعة من ضباط الجيش العراقي تابعة لتنظيم سري يدعى بالضباط الأحرار تقوم بمهاجمة قصر الرحاب الذي تسكنه العائلة المالكة العراقية وتدكه بالهاونات لتجبر هذه العائلة على الخروج لباحة القصر بملابس النوم ثم يقوم أحد أفراد هذه المجموعة بإطلاق النار على أفراد العائلة وهم كل من الملك فيصل الثاني وخالته الأميرة عابدية وخاله الأمير عبد الإله وزوجة الأمير السيدة هيام الحبيب والملكة نفيسة جدة الملك ووالدة الأمير التي كانت تحمل القرآن الكريم وتضعه على رأس حفيدها بالإضافة الى عدد من أفراد الحرس الملكي والمرافقين والعاملين في القصر . والأنقلاب الآخر الذي حدث عام 1963 والذي كان أكثر دموية نفذه حزب البعث ليستولي على الحكم بالدم وليستمر حكمه لأكثر من 35 عام كانت حافلة بالمآسي والعذابات والحروب التي دفع ثمنها الشعب العراقي .

بعد سقوط نظام البعث على يد قوات الأحتلال الأمريكي بدأت مرحلة جديدة في لنظام الحكم العراقي المبني على اساس يسمى بالديمقراطي فكتب دستور مستعجل وتم الترويج له على انه سيكون منقذ للعراق وشعبه . ولأن الشعب العراقي قد خرج من نظام دكتاتوري يمثل سياسة الحزب الواحد كان يأمل في النظام الجديد على انه نظام يعكل على صيانة كرامة العراقيين ويحفظ لهم أمنهم ويبني لهم بلدهم الذي خربته الحروب والصراعات الداخلية والخارجية . لكن الآمال بدأت تتلاشى بعد أَن انشغلت الأحزاب القادمة من خارج الوطن بمصالحها الضيقة وهي تتعمد زرع الفرقة بين العراقيين بشكل طائفي مقيت اضافة الى قيامها وبشكل واضح بالتأسيس للمحاصصة السياسية البعيدة عن الولاء للوطن والشعب فأستمرت الأنهيارات الأمنية ومعها الأنهيارات الخدمية وسوء الأدارة المتعمد رغم المليارات الكبيرة التي انفقت على انها ستبني البلد .

وعام بعد عام نشهد ضياعاً للبلد وسوء في التعامل مع المواطن فأستشرت ظواهر القمع والأعتقالات والخطف والتهميش والتفييب كما ازدادت حالات الفقر ووصلت الى نسب عالية جداً نتجت عنها هجرة داخلية وخارجية وأحياء عشوائية من الصفيح والطين وأنهيار تام لكل مقومات الدولة في الصناعة والزراعة والتعليم والتربية والصحة ليستحيل العراق الى بلد خاوي ليس فيه سوى الصراعات السياسية وعمليات النهب المنظم لثروات البلد ما نتج عنه تسليم محافظات بأكملها الى الأرهاب دون مقاومة أو دفاع .

ونتيجة لكل ماحدث خرج الشارع العراقي في تظاهرات احتجاجية على تلك السياسات التي خربت البلد مطالباً بأصلاح شامل يمكن من خلاله أسعاف البلد وأنصاف أهله وبدعم واضح من المرجعية الدينية . ومع كل هذا كانت هنالك اتهامات ضد الشارع على انه ينفذ اجندة خارجية وهي تهمة جاهزة تلفقها الأحزاب الحاكمة التي خربت البلاد ومع تواصل الأحتجاجات نجد أن الحكومة لاتحرك ساكناً بل انها وبشكل متعمد تستخف بالتظاهرات وتحاول قمعها وتغييب قياداتها .

المشكلة الحقيقية في من يدير البلد أنه لايعرف حقيقة وضع البلد اليوم وعلى مايبدوا أن المجاميع المستفيدة التي تعمل حول السلطان دائماً من تعطيه المشورة على أَن الأحتجاجات ستنتهي وهنا أقول – لو افترضنا جدلاً ان الأحتجاجات قد انتهت وجلس الناس في بيوتهم .كيف للحكومة ان تدير شؤون البلاد وهي تمر بأزمة اقتصادية خانقة ؟ هذا هو الغباء السياسي بعينة والذي خَلَّفَ غليان واضح في الشارع جعل الناس بشكل عام لاتثق بالحكومة .

اليوم اشيع عن ان انقلاباً قد حصل في المنطقة الخضراء وخرج علينا البعض يفند وينفي وينتقد هكذا اشاعات مدعياً ,ومستخفاً بالشارع العراقي على أن العراق يمر بمرحلة استقرار سياسي واضح ولا اعرف اي استقرار في العراق بينما الشعب يغلي والشباب العراقي يترك البلاد من فرط ما يقع عليه من ظلم وجور فضلاً عن عمليات مكافحة الأرهاب التي ارهقت الوطن والتي كانت نتيجة للفشل الحكومي في ولايتي المالكي. مع هذا اقول ان أي انقلاب في العراق لايمكن له ان يحصل ! على الأقل في الوقت الراهن  لأسباب عديدة أهمها أن اغلب القيادات العسكرية ونتيجة لسياساتها المعروفة في حكومتي المالكي أصبحت تملك المليارات والعقارات ولايمكن لتلك القيادات أَن تفرط بتلك المكاسب الغير مشروعة - ثانياً نحن مع الأسف نلصق تهم جاهزة لكل حالة تغيير يمكن ان تجري لتغير واقع مظلم وسبق لنا ان اتهمنا الأحتجاجات على انها تنفذ اجندة خارجية تخدم داعش وأخواتها . ثم أن موضوع اشاعة الفوضى في حال تغيير شخوص بعينهم يعد ظلم واضح بحق الشعب وكلنا يعرف ان المدة التي اعقبت الأحتلال الأمريكي رغم عدم وجود أجهزة أمن وشرطة وحكومات ألا انها كانت مستقرة تماماً لمدة تجاوزت الستة أشهر ..

ومع كل الذي قلناه ويحصل في العراق ونتيجة لما آلت اليه الأمور من تعمد سياسات الأهمال الحكومي للشعب وللبلد فأن الكثير من الناس تتمنى أن يتغير الحال بأي طريقة حتى لو كانت انقلاباً طالما أن ساسة العراق منشغلون بأنفسهم ولايصدقون أنهم قد دمروا العراق وأشاعوا فيه الخراب وحولوه الى بلداً مهدد بالتقسيم … وفي  رأيي الخاص أن يحصل أِنقلاب يموت فيه متصارعون على السلطة والمال خير من واقع مرير يموت فيه المواطن ظلماً نتيجة للتفخيخ والفقر والجوع والتهجير وسوء الخدمات والأمراض والخطف والتغييب والأعتقالات والقمع ..
alialzayadi67@gmail.com