عيد الغدير تقدّم حضاري وإنساني |
يقول الإمام الباقر عليه السلام:(آخر فريضة أنزلها الله الولاية:اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)[تفسير العياشي]. جعل المولى عز وجل، إتمام نعمه، ونزول عطاياه، مرتبطة بطاعته، وطاعة رسوله، وأولي الأمر الذين فرض طاعتهم، وهم الأئمة الاثنا عشر المعصومين، هذا ما نعتقده نحن الشيعة الإمامية ـ(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ـ أولهم الإمام عليّ، وآخرهم المهدي المنتظر صلوات ربي وسلامه عليهم، وحادثة الغدير، أول أعلان رسمي بتنصيب الخليفة من بعد النبي ـ (ما اتاكم الرسول فخذوه…) ـ وهو الإمام عليّ عليه السلام، الذي أكمل البارئ به الدين، وأتم النعمة، فأصبح قبول الولاية، والإقرار بالإمامة، علّة لإتمام النعم، ونزول جميع عطايا الرّب. هذه العلّة كررها القرآن في بعض الآيات، منها الآية:(ولو أنّهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)، وذكرتها فاطمة عليها السلام في كلام لها، عندما دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار، يعدنها في مرضها الذي توفيت فيه، فقالت لهنّ بعد كلام طويل:(ويحهم أنّى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة،… ولأوردهم منهلاً نميراً، صافياً، روياً،… ونصح لهم سراً وإعلاناً،… ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب، ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض…)[الاحتجاج للطبرسي]. كذلك أحتج سلمان الفارسي على القوم، عندما تركوا أمير المؤمنين عليه السلام وأختاروا غيره، في خطبة قال فيها:( ألا أيها الناس، أسمعوا عني حديثي، ثم أعقلوه عني، ألا وإنّي أُوتيت علماً كثيراً،… أما والله لتركبن طبقاً عن طبق، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، أما والذي نفس سلمان بيده: لو ولّيتموها عليّاً لأكلتم من فوقكم، ومن تحت اقدامكم، ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء، ولو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم، ولما عال( أفتقر) ولي الله،… ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولكن أبيتم فولّيتموها غيره،…)[الاحتجاج للطبرسي]. ماذا يعني عيد الغدير؟ يعني: تنصيب عليّ ّحاكماً بعد النبّي، وماذا يرمز عليّ عليه السلام؟ يرمز إلى:( ألا وإن إمامكم قد أكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه)، وإلى:(لعل هناك يالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبّع)،وإلى:(والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت)، وإلى:(أوصى عليه السلام بأعطاء مقدار من الحليب، الذي كان يتناوله كدواء إلى قاتله أبن ملجم، وأن لا يُبخس حقهُ في المأكل والمشرب، والمكان والملبس المناسب، بل كان يطالبهم بالعفو عنه، فقال لهم: إن أعف فالعفو لي قربة، وهو لكم حسنة فاعفوا، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم)[نهج البلاغة]. أقول: أخلاق الإمام عليّ عليه السلام، تقدّم أنساني راقي لم يحن وقته بعد! والإقرار بولايته وإتبّاعه، العلّة الكاملة في أتمام النعمة الرّبانية، وهل يعني أكتمال واتمام النّعم؟ إلاّ التقدم الحضاري المتطور!.
|