نظام السوق يتميز بفاعلية وتغير مستمر. هناك تغيير في ذوق المستهلكين , في التكنلوجيا ,و في نوع وكمية الموارد الداخلة في الإنتاج . تغير ذوق المستهلك العراقي من استخدام التلفزيون الأبيض والأسود , الى الملون , وانتهى الى استخدام تلفزيون البلازما .المواطن لم يعد يسوق نوع واحد من سيارات النقل وانما ادخل في قائمة استخداماته سيارة يابانية بكل أنواعها , سيارات كورية بكل انوعها , اوربية بكل أنواعها , وامريكية بكل أنواعها . سفرة واحدة الى السوق او مول المدينة تشاهد الالاف بل الملايين من السلع المعروضة للبيع كلها صنعت لتواكب ذوق المشترين. التكنلوجيا هي الأخرى قد تغيرت فأصبحت هناك طرق جديدة للإنتاج , النقل , التخزين , والتوزيع . الى حدا قريب كان هدم البيوت القديمة يتم عن طريق الفأس ونقل الأنقاض بواسطة الحمير الذي يأخذ أيام طويلة , حاليا لا يأخذ هدم بيت مهما كانت مساحته اكثر من يوم واحد وذلك عن طريق استخدام الرافعات وسيارات الشحن (القلاب) . وفي الولايات المتحدة الامريكية أصبحت الكثير من البيوت والمحلات التجارية والدوائر تعتمد على الطاقة الشمسية بدلا من الاعتماد على الطاقة التقليدية. بكلام اخر , ان انتاج سلعة معينة بكل كفاءة اليوم , سيكون انتاج غير كفوء (غير مقبول) غدا اذا لم يأخذ منتج السلعة في الحسبان تغيير ذوق المستهلك , التغيير في التكنلوجيا , والتغيير في مركبات الإنتاج . Walmart , اكبر محلات بيع المفرد في الولايات المتحدة الامريكية , استطاع القضاء على منافسيه وذلك عن طريق الاستجابة الى كل ما يحتاجه المستهلك عن طريق تطوير برنامج الالكتروني يقوم بموجبه معرفة السلعة التي في طريقها الى النضوب .الشركة استطاعت تقليص حجم مشترياتها من السلع الغير سريعة البيع ، تقليص كلفة الشحن، والقضاء على مشكلة الفائض من السلع والتي تضطر الأسواق الى بيعها تحت سعر الكلفة.
كيف يستطيع نظام السوق التأقلم مع التغيرات؟ لا حاجة الى كتابنا وكتابكم ولا حاجة لأخذ اذن حكومي , ولا حاجة لأعداد ميزانية جديد و مشاكل التوافقات السياسية حولها ولا الاكتراث بالروتين الحكومي القاتل او الفساد الإداري والمالي الذي اصبح مشكلة مهمة تعاني منها العملية السياسية . نظام السوق لا يحتاج الى تدخل حكومي بل لا يسمح لها لان تدخل الحكومة يعرقل عملية الإنتاج ويقتل روح المنافسة في انتاج السلع والخدمات بأسعار معقولة وبجودة مقبولة. كيف؟ لنفترض ان ذوق المستهلك العراقي ولأسباب صحية تحول من الاستهلاك الكثير من اللحوم الحمراء (البقر و الغنم) الى استهلاك الأسماك النهرية العراقية ( كطان , بني , وشبوط , صبور , أبو خريزه , حمري , جري , و زبيدي ). هذا التحول في ذوق المستهلك سوف يكتشفه منتج الأسماك واللحوم الحمراء من خلال زيادة مصاريف المستهلكين على لحوم الأسماك وتقليصها على اللحوم الحمراء. الأسعار والارباح سوف تتصاعد في سوق الأسماك بينما تتراجع في سوق اللحوم الحمراء. المصلحة الشخصية سوف تفرض على أصحاب مزارع الأسماك في زيادة انتاجهم وسوف تكون دعوة مفتوحة للمستثمرين الجدد للدخول الى سوق انتاج الأسماك بينما سيفرض السوق على منتجي اللحوم الحمراء بتقليص انتاجهم وربما غلق ابوابهم واشهار افلاسهم.
ارتفاع أسعار لحوم الأسماك وارتفاع أرباح المنتجين لها سوف لن يؤدي فقط الى التوسع في انتاج الأسماك وانما يؤدي الى زيادة في المبيعات التي تؤهلهم بزيادة المصاريف على ما تحتاجه هذه المشاريع من مواد إنتاجية تعد مهمة لنمو وازدهار هذه المهنة. ارتفاع أسعار الأسماك وارتفاع أرباح بيعه سوف يسمح لمنتج الأسماك الى جذب أدوات انتاج من القطاعات الغير منتجة او الغير مهمة على قائمة المستهلك الوطني او الأجنبي. العكس هو الصحيح في قطاع اللحوم الحمراء والذي سيستخدم عمال وموارد اقل. وهذا بالضبط ما يعرف في نظام السوق " سيادة المشترين ".
المتوفر من المواد التي قد تدخل في الإنتاج تعد بالمليارات وربما بالتريليونات وطريقة تركيبها في الإنتاج يحتاج طرق أكثر. على سبيل المثال , ثلاث موارد يمكن ترتيبها الى 6 طرق مختلفة . ولكن عدد ترتيب الموارد يكبر بشكل مذهل وبسرعة فائقة. ترتيب 5 موارد ينتج عنه 120 طريقة مختلفة , 10 موارد ينتج عنها 3,628,800 طريقة , 15 ينتج عنه 1,307,674,368,000 طريقة وبطبيعة الحال ترتيب بليون مادة يحتاج الى رقم قد يملا عشرة صفحات من الحجم الكبير. ولكن نظام السوق يستطيع اكتشاف الطريقة المثلى في ترتيب الموارد الداخلة في الإنتاج وذلك عن طريق "المصلحة الفردية" , لان المصلحة الفردية هي التي تقود المنتجين الى اختيار الطريقة المثلى في الإنتاج , ذلك الإنتاج الذي ينتج عنه اعلى الأرباح وبأسعار تنافسية وجودة مقبولة .
اقتصاد السوق يشبه كمبيوتر من الحجم الكبير التي تستطيع اختيار طريقة انتاج منتوج امثل ونوع المواد الداخلة في انتاجه والذي يوفر اعلى الأرباح للمنتجين. من خلال التغيرات في الأسعار والارباح في السوق يتم توزيع او إعادة توزيع استخدام مواد الإنتاج المختلفة. الإنتاج المقبول في السوق سيوفر على منتجه أرباح مجزية ويمنحه الفرصة للتوسع وزيادة الطلب على المواد الداخلة فيه , بينما سيجابه صاحب الإنتاج الغير مقبول في السوق الى التراجع في عدد العمال وكمية المواد الداخلة في الإنتاج وتحويل هذه المواد الى القطاعات المزدهرة .
بالطبع لا نتوقع استجابة سريعة للتغيير في نظام السوق في دول العالم الثالث والذي يعتبر العراق جزء منها وذلك لأسباب كثيرة. السبب الأول وفرة البنى التحتية , القوانين الحكومية , توفر رأسمال , والوضع السياسي والأمني في البلد . لا نتوقع منتج اثاث بيتي الاستجابة السريعة لذوق المشتري والمنج يعاني من الانقطاعات المتكررة للطاقة الكهربائية , تأخر شحن المواد الأولية الداخلة في الإنتاج , وقلة الخبرة ورأسمال . وهذا ينطبق على المزارع الذي يعاني من نقص مياه الارواء , الشحن , التخزين , والمنافسة المنتوج الأجنبي. ولكن على كثرة العلات التي تجابه الاقتصاد العراقي , الا ان نظام السوق اعطى للمستهلك العراقي ( المتمكن ماليا) حق اختيار الإنتاج الذي يرغب به واصبح للمواطن العراقي حرية اختيار السيارة التي يقودها , الحذاء الذي يمشي به , والملابس التي يستخدمها والاكل الذي يشتهيه . لقد ولى نظام تريد ارنب خذ ارنب , تريد غزال خذ ارنب .
|