في هذه الأيام التي تفشى فيها الفساد في مختلف جهات العالم الإسلامي وغيره، كان لا بد لفضائح هذا الفساد أن تثير قرائح المنكِّتين وظرفاء الشعراء.. سمعنا كثيرًا منها، وكثير من هذا الكثير يخدش المسامع والمشاعر فيحرم نشره، ولو للتاريخ. ولكن هذه بعض العينات مما يخطر: قالوا إن رجلاً شاهد إبليس، لعنه الله، يعدو هاربًا، فاستوقفه وسأله: «ما خطبك يا أبا ذيب؟»، فأجابه قائلاً: «لم يبقَ لي مكان في هذه الديار.. لقد علمتهم الغش والسرقة واختلاس أموال الدولة والسلب والخطف والبغاء.. وكل ما يملأ جيوبهم وخزائنهم بالمال الحرام.. جمعوا أموالاً طائلة، فبنوا القصور الزاهية واشتروا السيارات الفارهة وتملكوا العمارات الشامخة، ثم كتبوا عليها جميعًا (هذا من فضل ربي). هؤلاء قوم لن أستطيع أن أجاريهم في الكذب والخداع، فهربت منهم». والفساد المستشري يقوم على درجات؛ فهناك الفساد الأرستقراطي الذي يقوم به كبار القوم من مسؤولين ومديرين، ويتمثل في الملايين والمليارات التي يودعونها في البنوك الأجنبية، وهناك الفساد البروليتاري الذي يقوم به صغار القوم، من سمكرية وصنايعية وكل الصايعين الضايعين وملايين العاطلين من شعوبنا العربية، ويتمثل في سرقة أسلاك الكهرباء والتليفون وصهاريج المياه وعجلات السيارات وبراغي المكائن وصمولات المحركات.. ونحو ذلك من الحاجات الصغيرة التي تجدهم يعرضونها للبيع في اليوم التالي على أرصفة الشوارع وأسواق الهراج الشعبية بالدراهم القليلة التي لا تكاد تسد الرمق. وقيل إن وزيرًا عراقيًا ذهب لزيارة بلد عربي آخر.. ارتاع من القصر المنيف والترف الباذخ في كل شيء، فسأل الوزير: «كيف (توفقت) على كل ذلك من راتبك الزهيد؟»، فقال له المضيف: «انظر من الشباك وَصِفْ لي ما ترى». نظر السياسي العراقي وقال: «أرى هذا الملعب الرياضي الكبير، وهذا المتنزه البديع، وهذا المستشفى الواسع». أجابه الوزير المضيف وقال: «20 في المائة عمولتي». عاد الوزير العراقي لبلده، وبعد أشهر جاء لزيارته ذلك الوزير العربي نفسه. لاحظ رفاهًا أكبر أمامه، فانبرى وسأل زميله العراقي وقال: «دولتكم مفلسة.. كيف عمرت كل هذا القصر المنيف؟»، قال: «تعال للشباك وانظر». نظر الضيف، فقال: «نعم ها هو نهر دجلة أمامي». قال له: «وانظر لمحطة توليد الكهرباء الضخمة بجانبه». نظر الضيف فلم يرَ ذلك.. فَرَكَ عينيه ونظر ثانية.. ولم يرَ محطة كهرباء. قال: «آسف. لا أرى أي محطة كهرباء». قال الوزير المضيف: «100 في المائة عمولتي عن تلك المحطة التي لا وجود لها».
|