نقد التجربة الديمقراطية في العراق - 6 -


الحرية بين ثقافة الخوف واتساع دائرة الممنوعات 
ما تزال النظرة الاجتماعية الى الحرية لدى المجتمع العراقي يشوبها الكثير من عدم الفهم والاستيعاب او الاستيهام والتحول او الاستخدام كغاية للفرد على حساب المجموع ، وبالتالي يخرجها من اطارها المعرفي الانساني المرتبط بالتفكير والعمل ، الارادة والتغيير ، ضمن حدود احترام الاخرين وعدم التجاوز على حرياتهم المادية والمعنوية ، اذ طيلة اكثر من اثني عشر عام من عمر التجربة التي وصفناها بالفوقية والعابرة للذهنية الاجتماعية نقول لم يتم بناء اية اسس فكرية وثقافية للحرية بمعناها المقصود اعلاه ، ذلك الذي يمزج الارادة والأفعال في جوهر الواقع والمكان ، ومن ثم هنالك التغيير والتطور ، وما تم انجازه يتمثل في طغيان الكلمة اعلاميا واجتماعيا دونما وجود لاية تطبيقات على ارض الواقع من حيث وجود الاختلاف واحترام هوية المختلف والغريب عن نسق التقليد الاجتماعي ، ولان هذه التجربة قادتها " ارادات " تنتمي ثقافيا ومعرفيا الى حقب تاريخية لا تؤمن بحرية الانسان وافعاله على الارض فضلا عن القيم الحديثة المرتبطة بالعقل ، بقدر ما تؤمن بحاكمية الله والغاء اية ادوار للانسان على ارض الواقع ، فانها اي تلك الارادات استطاعت ان تثبت المجتمع ضمن هذه النظرة السلبية الموروثة عن الحرية بمعناها الانساني . 
ومن اهم الامكانيات التي قدمتها التجربة الديمقراطية في العراق على صعيد الذاتي والموضوعي للحرية تكمن في : - 
1- انتشار ثقافة الخوف ماديا ومعنويا ، مكانيا وزمانيا بسبب ضعف السلطة الناشئة وتداخلها مع الجماعات المسلحة ، الامر الذي جعلها اكثر تهديدا لحرية المواطنين المادية والمعنوية ، اذ ان بسبب ضعف السلطة وفسادها استطاعت الجماعات المسلحة السيطرة على المدن سواء بشكل مطلق او بشكل مشترك مع السلطة الحاكمة ، وكل ذلك ساهم في انتشار ثقافة الخوف وتثبيت الافكار السلبية عن الحرية وجعلها محصورة ضمن حدود الاختيار الطائفي والعرقي وضمن حدود التجاوز على القانون وعلى حريات الاخرين . 
2- اتساع دائرة الممنوعات ماديا ومعنويا ، مكانيا وزمانيا من خلال هيمنة ثقافة الخوف اعلاه ، فضلا عن ضعف الارادة الاجتماعية اتجاه ما يحدث في العراق من احداث عنف وإرهاب وفساد وترد في الحقوق والخدمات وكل ذلك انعكس على حرية المواطنين وجعلتها مقيدة سواء ضمن حدود الفكر والمعنى او ضمن حدود المكان والزمان ، ولان السلطة الفاسدة طيلة انثي عشر عام لم تساهم في رفد وحماية الاختلاف داخل المجتمع ، كثرت لدينا قائمة الممنوعات ولكلا الجنسين وخصوصا المرأة التي تم ضبطها اجتماعيا وثقافيا ، ماديا ومعنويا حتى صار اختلافها عن النسق التقليدي اكثر ادانة ورفضا من قبل الكثير من المواطنين . ان اتساع دائرة الممنوعات يخدم الطبقة السياسية الحاكمة من خلال تجميع المواطنين وبقائهم ضمن ذات التفكير والسلوك دونما اية عناصر اختلاف وتعدد من شانها ان تزحزح وجودهم اليومي والمستقبلي على حد سواء