التقسيم حلا.. أعصبوها بلحيتي
 
ثبت لدى العراقيين، أن سلطة رئيس الوزراء د. حيدر العبادي، أوهى من تنفيذ إصلاحاته على علاتها، فبقدر ما هي ليست بالمعنى الجذري للإصلاح، لكنها قشة تمنينا أن يتعلق بها غرقى تظاهرات ساحة التحرير.
إعلنت الإصلاحات، كنوع من ردة فعل عجلى لإحتواء تظاهرات ساحة التحرير، التي إنقلبت على إثرها، من التنديد بحكومة العبادي، الى مؤازرته، سعيا لترميم الإنهيارات الأخلاقية والمالية والإدارية، التي لم تبقِ في العراق شبرا إلا ونخرته.
لكنها جاءت حاملة عناصر تفنيدها، مكتوبة بطريقة تبطل مفعولها.. توازيا طرديا، صنعته أيد خبيرة بالإلتفافات على الشعوب، فهم.. معظمهم تلاميذ مكرمات صدام حسين التي تستلب الحصة التموينية كيلو تمن لتعطي نصف كيلو مكرمة من القائد، تتهرأ صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون وسماعات الراديو، في إطرائه!
ثلاث وجبات من إصلاحات تحاشت جوهر الموضوع، دائرة حول قضايا هامشية، لا تحل مشكلة واحدة من عشرات الآفات الناخرة في ضلع الشعب، وحتى تلك الهوامش لم تفِ لها، لأنها لم تضع آليات تنفيذ.
وبعد ان يأس العراقيون من جدية العبادي، عاد ليذر الرماد في العيون بتسمية ثلاثة مدراء عامين في وزارة الثقافة، أقيلوا بإجراء قرعة بين المدراء، وليس بموجب مسوغات عملية!
فهل وزارة الثقافة أهم من الكهرباء والصحة والتربية والجامعات والخدمات البلدية وتدافع المواطنين أمام نوافذ لا موظفين وراءها لترويج معاملات لن تنجز!
الإصلاحات جعلت علاقة الشعب بالعبادي مهزلة، حتى بات من المؤكد لدى الناس أنه سيفاجئ الجميع بطلب لجوء إنساني من إحدى الدول الأجنبية! وهذا يتردد في المجالس النخبوية المثقفة، وعلى ألسنة العامة.. في المقاهي والشوارع.. نكتة يرونها قريبة من الواقع.
 
أحزاب محتلة
الأحزاب بأشكالها كافة.. الدينية والمدنية، تحتل العراق كأي جيش أجنبي إستباح دولة؛ لذا تمنع تشكيل جيش قوي يتصدى لميليشياتها، وتفرض رجالها وزراء محاصصة يمولون الحزب، بجلد المراجعين والمستثمرين، لمشاريع تنشأ بميزانيات ترصد أموالها من الدولة، ولا يصل من ريعها الى الدولة شيء؛ إنما تذهب للحزب المتحاصص عليها.
 
وزارة الثقافة
وضع العبادي وزارة الثقافة تحت مجهر المحاصصة، بادئ ذي بدء، ربما لأنها لا تعني الكثير للأحزاب (الصاقرته) التي يخشى المساس بها؛ لأنها أقوى منه ومن حزبه.. الدعوة الإسلامية المتشظي يتآكل من الداخل، بحكم إرادات تتنازع رئاسة الوزراء، وأقوى من حكومته، المتمثلة بتشكيلة تضم وزراء يعدون أنفسهم ممثلين لأحزابهم وسفراء لفئاتهم، تحت قبة مجلس الوزراء، وليسوا بخدمة الوطن من خلال المهمة المنتدبين لها..
العبادي أوهى من إصلاحاته، لذا لجأ لثلاثة قرابين فدى أحزاب أقوى من الدولة، ولا أظن تلك القرابين ستنحر فعلا، إنما تعود من شباك الغرفة التي خرجت من بابها! ولن تنفذ من الإصلاحات، ولا فقرة واحدة، سوى إستعراضات طولية، تشغل الناس من دون أن يفهموا شيئا.
ولكي نفهم الخطوة الإستهلالية، نتساءل: - ماهي موجبات إقالة الشاعر د. نوفل أبو رغيف ومحمود أسود وعقيل... الذي لم أسمع عنه مديرا عاما في وزارة الثقافة قبل كتاب إقالته المنشور على صفحات الفيسبوك، وليس على وسائل الإعلام أو في جريدة الوقائع العراقية.
تداول الكتاب على صفحات الفيسبوك؛ أخرجه من الصيغة التقليدية المعمول بها عادة: "بموجب مقتضيات المصلحة العامة تقرر..." إنما بات تنكيلا ممن تقاطعت مصالحهم مع هؤلاء الثلاثة، خلال عملهم الوظيفي، وبالتالي من حقهم.. ثلاثتهم.. مقاضاة الدولة؛ لإعفائهم بطريقة فضائحية؛ كأنهم وحدهم المسؤولون عن فساد دولة تمور بالخراب! من أعلى المواقع الوظيفية الى لامع الأحذية عند بوابة أية دائرة حكومية؛ يقفص للموظفين! ومحاسبة من سرب نسخة الكتاب الى صفحات التواصل الإجتماعي.
 
صدمة الإصلاحات
لم نفق من صدمة توزيع نسب إقالة على الوزارات بطريقة مضحكة، نصت عليها الإصلاحات، في إجراء "يثرد بصف اللكن" و"يخوط قرب الإستكان" وإذا بنا نفاجأ بالبدء بوزارة الثقافة، التي لو بقي إصلاحها بعد الكهرباء والصحة لخف عدد الموتى،... أما ان يتأخر إفتتاح معرض إستعادي للراحل محمد غني حكمت؛ لأن بنته رفضت دفع رشوى او يتعطل صدور مجموعة قصصية، مات عبد الستار ناصر قبل طبعها، ونجله لم يشأ الدفع، فهذا برغم أهميته الجمالية، لا يتسبب بإزهاق أرواح مباشرة، جراء سوء إدارة صالة عمليات جراحية، او إنقطاع التيار عن طالب بكلوريا!
إذن ثمة أولويات.. ألم تسمعوا بالأولويات حسب مساسها بحياة الناس ثم مصالحهم يليها الرفاه.. وتلك هي المقاييس الميدانية لتحديد الأولويات.
لو قاد د. العبادي ثورة "إلغاء المحاصصة" وإعتمد الكفاءات الإنتخابية، لأكد انه بحجم كلمته، لكن أمام قوة الأحزاب التي لا تراعي البلد في إستحصال مصالحها، بعنف شديد، لم يبقَ سوى تقسيم العراق، وليذهب كل بحصته يفعل بها ما يشاء.. فليلطم من يشاؤون حتى تتهرأ جلودهم نهارا وليقتل المجرمون الهواء الطائر وليتمترس الشطار بدهاء الجبال.
أقولها بضمير مرتاح.. خدره اليأس من أن تستطيع أية حكومة، إقاف الأحزاب عند حدها، إلا بثورة أعتى مما حصل في 9 نيسان 2003، ولا مانع من الإستعانة بقوات أجنبية، لا نطالب بخروجها؛ كي لا تستجد وجبة أحزاب أخرى حينذاك!
بضمير يحاول إنتشال الجائعين والمرضى، من ألمهم، أقول: "فليقسم العراق.. بين الفئات الثلاث.. شيعة وكرد وسنة" على الأقل كي تضيق مشكلة كل جائع ومريض، مع سلطة منه وفيه.. "إذا رميت يصيبني سهمي".
لا جدوى.. لا جدوى سوى بفض الإشتباك.. التقسيم حلا، وأعصبوها بلحية عمار طلال.