لماذا نحن جبناء؟ |
مطلوب منا جميعاً أن نصبح جبناء، وأن نمارس فضيلة الخوف.. مطلوب منك ومني أن نحمل لقب مواطن "ذليل" بامتياز، مطلوب منا أن نراقب أصحابنا ليل نهار، وأن نتحول في لمحة بصر الى مخبر سري، مهمته تنظيف البلاد من الذين يرفضون الانصياع لأوامر الرجل "الخارق"، مطلوب منك أن تؤمن أن أصحاب السلطان يريدون حمايتك من الرذيلة، والحفاظ عليك من شرور الأعداء، و"أكاذيب" الإعلام، ومطلوب مني أن لا اغادر مرحلة وصايا القائد التي لها الفضل في صياغة القيم التي علينا الإيمان بها، مطلوب منا جميعاً أن ننمي غريزة التقرب الى أولي النعم والعطايا، عليك أن تخاف من كل الذين حولك، والأهم أن تتخندق ضد الأعداء أصحاب الأجندات الخارجية.. عليك أن تخاف من أصحاب الرأي، ومن المنادين بدولة المؤسسات، ومن الداعين الى إشاعة العدالة الاجتماعية، وعندما تكتمل دائرة الخوف هذه، ستجد نفسك تلجأ الى حضن أصحاب السلطة طائعاً، مستسلماً طالباً العفو والأمان. أصحاب نظرية " لتبقوا جبناء " مصرون على استبدال تمثال سقط صبيحة 9/4/2003، بتماثيل ونصب جديدة، لقد كان الجميع يعتقد أن عصر القائد الضرورة قد ولى إلى غير رجعة فإذا نحن اليوم أمام عصر "الحجاج الضرورة"، اكتب هذه الكلمات وأنا أتابع ردود الأفعال تجاه ما حصل لعدد من الصحف من اعتداءات وحشية، فالبعض آثر الصمت وآخرون اعتقدوا أن الأمر مجرد " قرصة أذن"، فيما وجدنا من شكروا الله وحمدوه لأن العاصفة لم تمر من أمامهم، طبعا أتفهم حجم الضغوط التي يتعرض لها العديد من الإعلاميين وأصحاب الرأي، الحرب ضدهم شرسة، والابتزاز وصل إلى أقصى مراحله، ناهيك عن الترويع والتهديد، لكن تفهمي هذا لا يعني أبداً أنني يمكن أن أقبل ظاهرة " الصمت الخجول " التي يصر بعضهم على ممارستها في هذه اللحظة العصيبة والصعبة، الذين يعتقدون بأن سلامتهم الفردية أهم من سلامة زملاء لهم إنما يضحون بأنفسهم وبمستقبل مهنتهم،، الذين يؤمنون بفكرة عليهم أن يدافعوا عنها بكل الوسائل والسبل، الصمت على ما جرى مع الصحف هو نوع من الاعتراف بضعف القدرة، وعدم احترام لثقة القارئ التي منحها لمطبوعه، الصمت لن يعطينا صكاً بالنجاة من مخطط تدجين الإعلام، المواقف لا تكون مواقف إلا في لحظات الاختبار الحقيقية.. ولا تكتسب مصداقيتها إلا في أوقات التحديات.. هذا وقت عصيب. إذا سعى كل منا لكي يحمي نفسه، فإنما يحمي مصالح الفاسدين والانتهازيين وسارقي الفرح من عيون العراقيين. اليوم وبعد الفشل السياسي الذي يخيم على كل الجهات، لم يجد البعض أسهل من العودة إلى اللعبة السهلة.. لعبة نشر الخوف، فمن السهل أن تحكم شخصا إذا استطعت تسريب الخوف إليه..أو تشعره بأنه مطارد، ولابد من حمايته من أشباح تظهر في منتصف النهار، فرض الخوف على الناس أول طريق الاستبداد، وهذا ما ورثه مسؤولينا من نظام " القائد الضرورة " الذي يسيرون على أدق خطواته. وأنا أتابع ردود أفعال صحافتنا ووسائل الإعلام على ما جرى خلال الأيام الماضية تذكرت قصة للكاتب عزيز ينسين وفيها ندخل معه عالم شبيه بما يجري في بلادنا "ذات يوم في دولة ما، صرخ رجل بأعلى صوته قائلا: يا إلهي لقد دخل خازوق بي، البعض قال ولكن ما دخلي أنا بخازوق غيري، ومع مرور الأيام ازداد عدد الذين يصرخون "لقد دخل خازوق بي" بداية كانت الخوازيق تدخل في أشخاص من عامة الناس، وبعد ذلك بدأت الاستغاثات من شخصيات رفيعة في الدولة، وبعد فترة من الزمن راح الوزراء الذين لم يكونوا يصدقون بحكاية الخوازيق التي تدخل بغيرهم يطلقون أصوات الاستغاثة، ولم يبق رجل في الدولة لم يذق طعم الخازوق، باستثناء الملك وحاشيته". حالنا اليوم لا تختلف عما جرى في قصة ينسين، حيث لاتزال الخوازيق تتعدد ولا أحد يعير لها الاهتمام، كثيراً ما فكرت ومنذ زمن بعيد بوضع المثقف العراقي وتساءلت أي نوع من المثقفين نحن؟ فاكتشفت للأسف أننا لا نملك سوى أصوات خائفة ومستغيثة، لا تخرج إلا بعد أن ينتهي كل شيء ويقع الفاس بالراس ويكون الذي ضرب ضرب، والذي هرب هرب.. بصراحة وإن كانت قاسية نحن "جبناء ". لقد عشنا من قبل ظاهرة تعذيب ومطاردة المتظاهرين واليوم نعيش سيناريو "غزوة الإعلام"، ونشر نظرية الخوف التي سيتم من خلالها تدجين الجميع واقتيادهم، وبناء جمهورية رعب جديدة على أنقاض جمهورية الخوف التي ظن الناس جميعاً أن ستار النهاية أسدل عليها. |