السلطة الرابعة ... مستضعفة |
حتى وقت قريب لم تكن للصحفيين مطالبات بحمايتهم من التهديدات الارهابية التي تستهدف حيواتهم ومؤسساتهم ، اعتقاداً من ابناء السلطة الرابعة بأن الأمن في طور التحسن ولابد من تقديم الأهم على المهم ، والأهم هنا هو أمن المواطن قبل كل شيء .الان ، وبعد ثلاثة شهور من الإنتهاكات والخروقات الأمنية واستشهاد العشرات وجرح المئات من المواطنين ، لا يجد الصحفيون الا ان يطالبوا بالحماية اسوةً بباقي السلطات ( التشريعية ، التنفيذية , القضائية ). إذ في لحظة كانت فيها حياة الصحفيين تواجه خطراً شديداً تكاسلت احدى الاجهزة الامنية عن حماية مؤسسة صحفية استنجدت بها ! وكان رد الناطق الرسمي باسمها بأن لا يمكنه تأمين الحماية للمؤسسة الصحفية المهددة ، وإن من الصعوبة بمكان – حسب قوله – وضع مفارز امنية امام مباني المؤسسات الصحفية التي تجاوز عديدها الخمسين ! هذا العذر نراه باهتاً والتوائياً بنفس الوقت . فالمطلوب هو حماية يمكن توفيرها عن طريق اجراءات عدة من بينها السيطرة على مداخل ومخارج الاحياء ، وهذا الامر ليس بالصعب إذا ما علمنا ان عديد منتسبي تلك الجهة الامنية في بغداد يزيد على ربع مليون فرد مجهزين باسلحة متطورة وأليات حديثة . وعندما تتوفر مثل هكذا مستلزمات بشرية ومادية لا تعود هناك حاجة الى مفارز امنية ترابط عند ابواب المؤسسات الصحفية . كثيرا ما نسمع من الزعماء السياسيين ، من هم في السلطة ومن هم خارجها بأن السلطات الاربع ( الثلاث السابقات اضافة الى الرابعة وهي الصحافة ) هي التي تقود الدولة والمجتمع، كلاً من حسب اختصاصه . لكن التعامل مع السلطة الرابعة ( الصحافة ) يتسم بالإستهانة من قبل رجالات الحكم الحاليين .نحن نعرف بأن هناك ثلاثين حارساً شخصياً يحمون كل نائب ويتقاضى الواحد منهم اكثر من مليون دينار شهرياً ، فضلاً عن حماية مجلس النواب التي تقدر باكثر من لواء مجهز بالاسلحة والاليات .اما السلطة التنفيذية ، فقد خصص ثلاثين حارساً لكل وزير ، وفوج كامل لنواب رئيس الوزراء ، والله اعلم بعديد حراس رئيس الحكومة ، ولا يفوتنا هنا بانه قد خصص فوج كامل لكل وزارة وعشرة حراس لكل وكيل وزارة وحارسين للمدير العام . ثم هناك المستشارين والخبراء الذين يحظون بحماية خاصة لحراس شخصيين يتراوح عديدهم بين الخمسة الى عشرة افراد لكل مستشار واقل من هذا العدد لكل خبير ! ناهيك عن رئاسة الجمهورية التي خصص لها لواء من الاسايش ، وفوجين لنوابه ! اما السلطة القضائية ، فقد حرصت الدولة على ارواح القضاة ووفرت لهم حراسات للبيوت وللدوائر التي يعملون فيها . واغدقت الدولة على حراسات القضاة بحيث صار حراس الوزراء والنواب يفضلون العمل مع القاضي على العمل مع الوزير ! وإذا ما حاولنا احصاء عديد المنتسبين الى الحمايات الخاصة بالرئاسات الثلاث والنواب والوزراء ووكلاء الوزارات والمستشارين والخبراء والمديرين العامين ومعاونيهم ، ونظيف اليهم الهيئات المستقلة وماشاكلها فأن الرقم يبدو كبيراً ، لا بل خرافياً . يضاف الى ذلك الوحدات العسكرية المنتدبة من وزارة الدفاع من ألوية وافواجاً وسرايا. وبالطبع ان اجور الحراسات تلك تلتهم كتلة كبيرة من ميزانية الدولة . تكاد تزيد على ربعها .. ولا نرى في ذلك بأساً ، لأن شعور العاملين في مؤسسات الدولة بالامن ، ربما ، يدفعهم الى العمل المنتج ! لكن القسمة هنا ضيزى بين السلطات الثلاث وشقيقتهن الرابعة ( الصحافة ) ! وحتى يومنا هذا لم تنظر السلطة التنفيذية وهي المسؤولة عن حماية السلطات الثلاث ومنتسبيها الى الصحافة والصحفيين بعين العدل ، ولم تثقف اجهزتها الامنية على ان حياة الصحفي لا تقل اهميةً عن حياة ( المدير العام ) وان مبنى الجريدة ينبغي ان تؤمن حمايته كما هو حال مبان المؤسسات الحكومية ! والصحفيون ، إذ يطالبون بالحماية ، فانهم يفضلون ان تتوفر للمواطن ايضاً .. ومع الاسف لا الصحفي ولا المواطن لهم حصة في حماية تؤمن لهم حيواتهم ! |