ضياء الموسوي.. من ابو كيس الى احد المليارديرات.. سرق الاموال لصالح الشهرستاني والخفاف والسيستاني



العراق تايمز:

غريبة من غرائب الدهر، لكنها في العراق تبدو حكاية عادية مثلها آلاف الحكايا.

 

قصة رجل "عصامي" بنى إمبراطورية مالية من عرق وتعب... العراقيين، غارفا من ثرواتهم بلا حسيب.

 

إنسان متدين ورع اعتاش على... السرقة. حزبي يتعاطى الشأن العام، لكنه يترفع عن كل منصب... ليس فيه  ما يكفي من المكاسب للسرقة والنهب.

 

بدأ حياته موظفاً عادياً في شركة نفط الجنوب أيام النظام المقبور. كان يعيش في البصرة. هناك، في تلك المدينة الجنوبية، كان يُعرف بلقب "أبو كيس".

 

كنية اكتسبها من وسيلته للاسترزاق الإضافي. كان يجمع معاملات الشركات المتعاقدة مع شركة نفط الجنوب، يضعها في كيس يتنقل فيه بين مكاتب شركات تعمل في المدينة في مقابل "إكرامية" على جهوده.

 

طفا اهتمامه بالشأن العام إلى السطح، بعد الغزو الأميركي للعراق. وبما انه على علاقة جيدة بـ رضا الشهرستاني (شقيق حسين الشهرستاني ممثل السيستاني في الحكومة) فقد ترشح  ضمن قائمة ائتلاف دولة القانون / كتلة مستقلون في البصرة، وقد حصل على مقعد في مجلس المحافظة.

 

لكن بما أنه لم يحصل على منصب المحافظ، حيث الفرصة الكبيرة لسرقة ونهب أموال الإعمار، ولأن العضوية في مجلس المحافظة  لا تجلب له الأموال التي تعود على استلامها من الشركات التي تتعاقد معها شركة نفط الجنوب، فقد قدم استقالته من المجلس وعاد إلى وظيفته  كمدير  هيئة العمليات فيها. منصب شغله أصلاً بفضل الضغوط الحزبية . لم يكن لكفاءته العلمية، وهي ضحلة، ولا الإدارية، المبنية على نظرية الفساد والإفساد، أي دور في ذلك، وبعد ان اخذ الضمانات من الشهرستاني بانه سيكون مديرا لشركة نفط الجنوب بحسب الاوامر التي صدرت من حامد الخفاف (الناطق الرسمي باسم السيستاني) ومحمد رضا السيستاني.

 

جاءت الفرصة المنتظرة: خلاف رئيس الوزراء حينها نوري المالكي مع مدير شركة نفط الجنوب فياض حسين نعمة الذي انتقد جولات التراخيص التي أبرمتها الحكومة بينما كان في زيارة الى القاهرة. لم يتأخر وزير النفط في ذلك الحين حسين الشهرستاني في قطف الفرصة. فقد أقاله قبل أن تحط طائرته في مطار بغداد. واستجابة لطلب السيستاني تم قرار تعيين الموسوي خلفاً لنعمة.

 

منصب نجح الموسوي، خلال سنوات قلائل، في أن يبني من خلاله إمبراطورية مالية ضخمة، له ولعائلته ومعارفه، في داخل العراق وخارجه: عشرات آلاف الدونمات من الأراضي  في البصرة. شقق في عمّان ودبي وبيروت ولندن، اشترتها له، "عربون صداقة"، شركات مثل "ستار لايت" و"يوناأويل" و"الشلال الأزرق" و"جندال" و"ليتون" و"سايبيم" (عبر وكليها مهدي سجاد)، وغيرها كثر

 

شركات متخصصة في مجالات مختلفة، النفط والتجهيزات والأنابيب....كانت جميعها تعرف أن إبرام "عقد خاص" مع ضياء الموسوي هو السبيل الوحيد أمامها والممر الضروري لضمان الحصول على عقود من "نفط الجنوب".

 

هذه القائمة امتدت لتشمل شركات مثل Rhurpumpen الألمانية الصغيرة التي تحتكر معظم محطات التصدير الضخمة بمشاكلها الفنية العديدة والخطيرة، وإلى شركة ويذرفورد عبر مديرها السابق وصديقه الدكتور فايق الشلبي، والتي يعاني من تصرفاتها الكثير من الشركات العراقية، عدا عن تلكؤها وتركها العمل بدون أي انذار، فقد حصلت على عقود ضخمة، عندما كان يسيطر على إدارات الحقول .

 

هذا بالإضافة إلى شركتي (كرون) و (اف ام اس) و فضيحة العدادات التي انفجرت منذ سنتين، وصولا إلى تويو اليابانية، التي عبر علاقتها الخاصة مع محمد الحيدري حصلت على عقود بمئات ملايين الدولارات بتغطية من ضياء طبعا، وكذلك شركة فوسترويلر التي كانت تحظى بدعمه بالرغم من أدائها السيئ والضعيف .

 

لم تكن إمبراطورية مالية فقط، بل مافيا نفطية. عصابة من التي لم تعرفها سوى أفلام هوليوود. مشابهة لحكاية عائلة العصابات الشهيرة "آل كابوني"، لكن بأسلوب مختلف.

كانت الاموال تجبى لتذهب الى صاحب الفضل عليه رضا الشهرستاني في دبي وحامد الخفاف في بيروت، والاثنان يمارسان دور السمسرة لبعض الشركات الاجنبية مقابل عمولات ضخمة وحصص مالية كبيرة في بعض المشاريع، مع استمرار الحماية الكاملة لضياء الموسوي.

 

لقد نجح الموسوي، خلال السنين المتعاقبة، في تعيين عدد من المدراء الموالين له في مناصب رئيسية في شركة نفط الجنوب، من أمثال محمد الحيدري وعلوان عبد الرسول وصلاح عبد الكريم وسعد الدين مهلهل وغيرهم كثر، تمكنوا معا من السيطرة على جميع عقود الشركة، ونجحوا في جمع ثروات طائلة من العمولات التي حصلوا عليها من الشركات المتعاقدة معها.

 

كانت الكويت مقر العمليات المشبوهة للموسوي، فقد كان يمضي فيها معظم عطل نهاية الأسبوع. هناك كان يجري المفاوضات ويتفق مع الشركات على الصفقات والعقود، وبحضور رضا الشهرستاني وممثل عن حامد الخفاف المتحدث الرسمي باسم علي السيستاني.

 

لكن الكويت لم تكن مكانه المفضل الوحيد لأداء هذا الدور. فقد كان الموسوي يسافر بشكل منتظم إلى بيروت ليلتقي الخفاف مباشرة ويطلعه على مستجدات الاعمال، وعمان ودبي ولندن للاجتماع بمدراء الشركات النفطية، والحجة دائما كانت "زيارات بغرض العلاج الطبي".

 

نجح الموسوي، بدهائه  وخبرته وبالدعم السياسي والحزبي، في أن يسيطر على كافة عمليات بيع وتوزيع البنزين للشركات الكبرى مثل "هاليبرتون" و"لوك أويل" و"شلومبرجر" و"ويذيرفورد"... عبر مجموعة من الشركات النفطية المحلية مثل "جنة الفردوس" و"تعمير الجنوب" وغيرهما كثر. ويقال إن الموسوي كان يتقاضى ١٢٠ دولاراً عن كل طن من البنزين يجري بيعه.

 

ليس هذا فحسب، بل بلغ الأمر حداً أنه لم تعد هناك أي شركة موردة للأنابيب تعمل في الجنوب العراقي ما لم تكن قد أبرمت "عقداً خاصاً" مع ضياء.

 

ويلسبون" و"مان انداستري" و"جندال" “وتناريس" ليست سوى شركات نجحت في أن تحصل على بركة الموسوي ورعايته . وهي شركات أبرمت على مدى سنوات عقوداً بمليار ونصف المليار من الدوارات مع "نفط الجنوب"، فكم كانت حصة الموسوي منها؟ الله يعلم، وكذلك مدراء المصارف التي يودع فيها الموسوي أمواله المنهوبة.

 

ولعل في الأمثلة تفيد في هذا المضمار. فمعروف أن الموسوي الداعم الرئيس لشركة بغداد لتوربينات الغاز. كان يعطيها عقوداً بأسعار أغلى بكثير من سعر السوق: دعم كهذا كافأته الشركة بسخاء: منزل لضياء في عمان، وسيارة لابنه في دبي، والكثير من الأموال السائلة في البنوك.

 

معروف أيضاً أن ضياء كان يحصل على دفعات منتظمة من وكيل شركة "سايبيم"، مهدي سجاد، شريك الوزير السابق علي الدباغ، مقابل العقود التي فازت فيها الشركة في البصرة.

 

كما كان يحصل على الكثير من الأموال من الشركات التي استأجرت أراض من شركة نفط الجنوب في الرميلة  و البرجسية.

 

حكاية شراكته مع سعد الدين مهلهل لا تخفى على أحد. كانا يسيطران على كل العقود المتعلقة بمشاريع المياه في البصرة والرميلة والفاو.

 

 كذلك الأمر بالنسبة لعلاقته بشركة "اي دي سي" الإماراتية (وهي شركة على علاقة وطيدة برضا الشهرستاني) التي كان يؤمن لها عقودا لبيع قطع غيار بأسعار أغلى ب٥ إلى ٦ أضغاف من سعرها السوقي.

 

بل بلغ الفجور بضياء الموسوي واستهتاره بثروات البلاد وأموال الشعب أن أعطى عقودا بعشرات ملايين الدولارات لشركات تافهة ومتناهية الصغر، كونها جاءت بتوصيات من  الخفاف والشهرستاني والسيستاني.

 

على سبيل المثال، منح شركة "جيكور" التي يملكها أحد أصدقائه العراقيين وكان مقرها كندا، عقداً بمئتي مليون دولار علماً أن ليس لديها سوى ثمانية موظفين.

 

 كما منح شركة "بروجيتي أوروبا"، وهي شركة إيطالية صغيرة جداً، عقوداً ب٣٥٠ مليون دولار.

 

 من "مآثره" أيضاً أنه منح شركة صمامات إيطالية عقوداً بعشرات ملايين الدولارات رغم علمه بأن الصمامات، التي كان يفترض أن تكون صناعة إيطالية، يتم تصنيعها في الصين.

 

حتى الخدمات البحرية لم يقبل أن تفلت من يده. فقد ولّاها الى ابنه رائد ضياء جعفر الذي يمتلك العديد من الشركات التي تزود شركة نفط الجنوب بهكذا خدمات-بالشراكة مع (ربان السفينة)و(جيكور)-.

 

 رائد هذا، على سبيل المثال، بعد عدة زيارات لشركة "اس ام بي" الفرنسية (المتخصصة في محطات التصدير العائمة) في موناكو، وعدها بالحصول على عقودا بـ٢٠٠ مليون دولار من ليتون المتعاقدة مع شركة نفط الجنوب-عقدها الشهير بقيمة ٧٨٣ ملايين دولارمن قال إن الإبن ليس سر أبيه؟

 

اللافت في سيرة ضياء  حنانه  وعطفه على الشركات المتعثرة، فقلبه لا يحتمل رؤية مؤسسات مديونة وقاب قوسين من الإفلاس.

 

كان هذا حال، على سبيل المثال، شركة "لينسكان" التي تتعاطى بصيانة أنابيب النفط والمدرجة على اللائحة السوداء في الدول المجاورة لنا كون مستواها الفني سيئا جدا . وكادت تغلق أبوابها قبل أن يتعرف صاحبها، الأردني خالد شامي، على ضياء الذي سرعان ما أصبح "شريكا سرياً" فيها (خلال احدى سفراته الى بيروت والتقى به بحضور حامد الخفاف) وفجأة انهالت عليها عقود من شركة نفط الجنوب بعشرات ملايين الدولارات.

 

طبعاً لم يكن الموسوي يعمل وحيداً. كان لديه شريك لصيقا نجح وإياه في جمع عشرات ملايين الدولارات. الحديث هنا عن مساعده الشخصي عدي القرشي، الهارب حاليا إلى دبي من الملاحقات القضائية،  من فضيحة عمولة ٣٥ مليون دولار دفعتها  "ليتون أوفشور"  لضياء، من أجل شكره  لما فعله من أجل تأمين عقد أنبوب تصدير للنفط بقيمة ٧٨٣ ملايين دولار، وذلك عن طريق  مدير شركة "يونا أويل" باسل الجراح الذي يعتقد أنه مختبئ حاليا هو أيضا في لندن من الملاحقات القضائية.

 

الأهمية في عقد "ليتون أوفشور" أنه كان ضمن رزمة من العقود، بينها واحد فازت به شركة "ام يو اس سي" البريطانية التي كانت تدير  الشق المتعلق بالأمن البحري لمشروع "ليتون". عقد بقيمة ٧٨ مليون دولار، حصل من خلاله ضياء على رشوة بقيمة تسعة ملايين دولار .

 

مهندسو شركة نفط الجنوب، النزيهون منهم على الأقل، ممن عملوا في هذا المشروع، أكدوا أن القيمة الفعلية للعقد كان يجب ألا تتجاوز ال٣٠ مليون دولار.

 

مشكلتهم كانت بطبيعة الحال عدم وجود إجابة على السؤال المركزي: إلى من يشكون الأمر غير... لله؟ لان راس الهرم الممثل بالحكومة ومرجعها السيستاني فاسدة حتى النخاع.

 

هي باختصار  حالة نموذجية لعشرات إن لم نقل مئات الحالات المشابهة، التي يمكن أن تصلح كمادة دسمة لرواية بعنوان: حكاية إثراء رجل وإفقار شعب.