استفزتني قرارات الحكومة العراقية بإعلان يوم الاثنين (الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري) عطلة تكميلية لعطلة عيد الأضحى، فقد صدر القرار المفاجئ بعد انتصاف الليل والناس في سابع نومة، ليمنح العاطلين عن العمل عطلة إجبارية مفاجئة من أجل تكريس فكرة التعطيل والتأجيل في حياتهم الرتيبة.
المثير للغرابة إن الزعماء العرب يشتركون كلهم بهذه القرارات الليلية المفاجئة. ربما لأن أدمغتهم لا تعمل إلا بعد منتصف الليل، وربما لأنهم يرون أن حكمة السلاطين لا تأتيهم إلا في هذه الأوقات الحرجة، فبعد منتصف الليل يغرقون في ضبابية الأفكار، ويهيمون في غابات الأوهام، فتتزاحم الأفكار في رؤوسهم، منها ما هو مزاجي، ومنها ما يحاكي الواقع، وقد تشطح بهم أوهامهم إلى حافات الجنون والمجون.
ولعل من سوء طالعنا نحن العرب، أن تجليات نبوغ زعمائنا ونباهتهم هي التي وضعتنا في منزلق الضياع الأبدي، وهي التي تسببت في هذه الاخفاقات المصيرية المتكررة، التي انفردت بها انظمتنا المعروفة بقراراتها الارتجالية المتسرعة. ففي السعودية صدر القرار الملكي بإعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز بعد منتصف الليل، وصدر القرار بتعيين الأمير محمد بن نايف بعد منتصف الليلة التالية. آخذين بنظر الاعتبار أن شرارة الثورات والانقلابات العربية لم تنطلق من أوكارها إلا بعد منتصف الليل، وأن معظم الزعماء العرب وافتهم المنية بعد منتصف الليل، ومنهم من سقط بوابل من الرصاص المنهمر من فوهات بنادق الثوار السكارى بعد منتصف الليل. وللجيوش العربية حصة الأسد في المعارك والمواجهات المسلحة بعد منتصف الليل، بيد أن الغريب بالأمر أن اللواء (أحمد وصفي) قائد الجيش المصري الثاني، لم يجتمع مع التشكيلات الأمنية في سيناء إلا بعد منتصف الليل.
أما أغرب الغرائب فهي قيام وزارة التربية والتعليم الاماراتية بإعلان نتائج الامتحانات للعام الدراسي 2014/2015 بعد منتصف الليل، فبقدر الجِد تُكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليالي. لكن هذه القرارات الليلية، والانقلابات الليلية، والشطحات العربية الظلامية والضبابية تتقزم تماماً عند مقارنتها مع الإرباكات التي دوخت العراق من شماله إلى جنوبه، فمن غير المعقول أن يصدر قرار إعلان تعطيل الدوام الرسمي في وقت متأخر من الليل، من دون أن يعلم به الموظفين والطلاب، الذي خرجوا على وجوههم في صباح اليوم التالي للمباشرة بدوامهم الرسمي، فكانت صدمة عظيمة لهم عندما وجدوا دوائرهم مغلقة، ومدارسهم موصدة الأبواب.
وهكذا قوبل هذا القرار بانتقادات واسعة من قبل الموظفين، الذين عبروا عن امتعاضهم، وعدم قناعتهم عبر مواقع التواصل، وكان من الطبيعي أن يتساءلوا عن جدوى تعطيل الدوام بعد عطلة طويلة تعطلت فيها أجهزة الدولة ؟، فما الفائدة من تعطيل المؤسسات المعطلة ؟. ولماذا هذا الاصرار على تعطيل العاطلين عن العمل ؟
|