صور متضادة تتقاسم الواقع العراقي

 

 

  من ينظر بإنصاف الى أوضاع العراق والعراقيين، يرى صورا متضادة في الالوان والدلالات. منها صورة يقف في وسطها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مستعرضا عضلاته ومحاطا برجال فاسدين منتفخين اختلسوا مليارات الدولارات، وقادة عسكريين فاشلين سلموا مدناً ومساحات واسعة من الاراضي للدواعش، وقضاة وحكام باتوا أزلاما مسيرين لايستطيعون التحرك ضده قضائياً في بلد تطحنه الحروب وتسفك فيه الدماء وترتع فيه المليشيات الارهابية التي تستطيع تصفية من يعادي مختار العصر مهما كان وضعه ومنصبه والتخلّص منه بطرق خبيثة ومختلفة ومن ثم إتهام داعش وايتام البعث بالوقوف وراء ذلك، وبفضل هؤلاء، والفضائيين، وجيش المستشارين المحيطين به (المالكي) ومكاتبه العسكرية والخاصة وانتفاع طغمة الطفيليين والمضاربين والعاملين في السوق السوداء اصبح العراق ودون مبالغة في مقدمة دول العالم في الفساد وقتل المدنيين والتمزق والفتنة والظلم والنهب والفشل والجريمة والفوضى والأمية والفقر والبؤس والضائقات المالية والرشى ونقص الخدمات وارتفاع اسعار السلع وسوء الادارة وهتك حقوق إنسان وبعقد الصفقات المشبوهة والاختلاسين السري والعلني ..
   ويرى المتابع صورة أخرى لارادة شعبية تتجسد في رفض مظاهر الفساد المنتشرة  في كل مكان مجسدة الرغبة والاصرار والعزيمة على اجراء عملية تغيير شاملة لكل ما موجود في الصورة الاولى، وتدعو الى زج الفاسدين والمنحرفين في السجون ومحاسبتهم وإعادة الاموال التي سرقوها..
  كما يرى صورة ثالثة هي لحيدر العبادي وهو يقف بين مواطنين غاضبين من إهدار المال العام والرواتب العالية للمسؤولين وهم يحملون حقائب سفر صغيرة حيث قرروا الهجرة الى ارض الله الواسعة وهو إزاء ذلك مكبل بقيود حزبية وطائفية ومذهبية، ويقول إني تسلمت السلطة في ظرف كان تنظيم داعش على أسوار بغداد والمؤسسة العسكرية شبه منهارة والفساد ينخر كل مفاصل الدولة، ويجدد تأييده للتظاهرات الجماهيرية المتواصلة منذ اسابيع في بغداد وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية، ويعلن أنه يرفض إسكات الاصوات التي تعترض وتطالب بتحسين الخدمات والإصلاح ويصدر أوامره للقوات الأمنية بضرورة حسن التعامل مع المواطنين. كما يؤكد على ضرورة وأهمية تفعيل مبدأ من أين لك هذا؟ ولايتوانى (العبادي) عن أن يتهم أمامهم أطرافًا سياسية عراقية تحاول استغلال الحشد الشعبي والتظاهرات الشعبية وحتى هجرتهم الى الخارج لحسابات سياسية، وتتصارع فيما بينها على المناصب بدلا من التعاون والسير بالبلد نحو الإصلاح وبر الأمان، وتعمل بروحيات الفرق المتعددة، ولاتخجل من الوقوف ضد كل خطوة إصلاحية وإجراء إصلاحي، وتسعى الى إعاقة تطبيقها بشتى السبل.
   ويرى المتابع ايضا صورة أخرى للعبادي وهو يدمدم قائلاً: أي خطوة نخطوها للإصلاح تقابل بالرفض سواء كانت متعلقة بالترشيد في الانفاق أم بتخفيض رواتب المسؤولين أو حتى شمولهم بالقطع المبرمج للكهرباء، أو الهدر الأكبر للثروات الذي يتمثل بسوء التخطيط والتنظيم المتبع في تنفيذ المشاريع، مؤكداً: يتم رفض كل الخطط الاصلاحية من قبل الأطراف المتضررة والتي لا يروق لها هذا الأمر لذلك تتحرك لعرقلتها بروح الأنانية.
   اما الصورة الاخيرة فهي لعاصفة غضب هائجة، متصاعدة سريعة وقوية، تهدم أسوار العملية السياسية وتقتلع اشجار المتاجرة بالانتماء والمواطنة المزيفة عند بعض الأحزاب الحاكمة والطبقة السياسية وكبار المسؤولين في الدولة وتدمر مقراتهم المليئة بالفساد المتراكم، وتعصف بكل العاجزين عن تقديم الحلول الجذرية لمكافحة الفساد المتراكم أو في الاقل الحد من قوته وسطوة نفوذه وإيقاف نزيفه، وربما تتحول الى عاصفة منتقمة متشددة وتخرج عن السيطرة وتفتح أفقاً لتغييرات تعيد تنظيم الحياة وأسس العدالة المفقودة.