هل حقا يمثلون أحزابا ومعارضة؟ |
وقعت سوريا بين نارين غير نار النظام التي تحرق الأخضر واليابس، فبينما تعبث القاعدة في ارض الشام وتلملم فيها كل الباحثين عن جنة الغرائز ومفاتيحها من كل بلدان العالم، وتشعل النيران في كل مكان، لا يهمها إن كان من الأهالي أم من عناصر النظام، ونيران قيادات و( زعامات ) تدعي أنها تمثل نبض الشعب وقواه المعارضة أو أنها قيادات أو تمثيليات لأحزاب لا وجود لها على الأرض إلا إعلاميا، تركت صفوف الشعب وهربت إلى خارج الحدود، لتنتشر في كل دول العالم وخاصة الجوار، مدعية أنها تقود الثورة من خارج الحدود، وهي تتسول هنا وهناك تاركين الأهالي يواجهون مصيرهم أمام نيران الإرهاب والنظام وتداعيات الفقر والعوز، بينما تتنعم هي في فنادق وبيوت مدعية أنها تقود الثورة والتنسيقيات عبر أجهزة اللابتوب التي يحملونها معهم، في كل مكان يتواجدون فيه خارج حدود ثورة شعبهم ومخاطرها، في أداء سياسي الأول من نوعه في تاريخ الثورات، حيث يغادر من يفترض بهم قيادة حركاتهم أو أحزابهم أو تنسيقياتهم في ارض بلادهم، إلى دول الجوار وهم ( يسفطون، يرتبون ) أنواعا من الأكاذيب والبطولات المفبركة، التي تذكرنا بقادة صدام حسين العسكريين والحزبيين عشية سقوط بغداد واحتلال العراق، حيث كانوا يدعون بأنهم سادة الأرض والسماء وان جنود أمريكا سينتحرون عند بوابات بغداد أو حدودها؟ وإذا ما استثنينا أولئك المناضلون الحقيقيون في خارج البلاد الذين يقومون بمهمات تمثيلية أو إعلامية لقضية شعبهم دون استثمار شخصي، فما يفعله اليوم الكثير من هؤلاء الذين يصنفهم البعض بالمرتزقة، وربما اختلف هنا مع هذه التسمية فكثير من المرتزقة يحملون أسلحتهم ويقاتلون كأجراء حالهم حال أي أجير دون أن يكون لهم هدف إلا جمع المال وقد يقتلون أو يؤسرون، أما هؤلاء فيحتار المرء في تسميتهم أو توصيفهم، فليس لديهم بندقية إلا الكذب والادعاء، ولا هم مقاتلون بل مدعين وهاربين من ارض المعركة، تاركين شعوبهم تتلوى جوعا وعوزا وإرهابا، وهم يرتزقون بأكاذيبهم وادعاءاتهم المزيفة عن أحزاب وحركات أثبتت التجارب بأنها لا تتجاوز أعداد تلاميذ مدرسة ريفية صغيرة، أو كما يصفهم مواطنيهم بأنها أي تلك الأحزاب لا تتجاوز أهل بيت الأمين العام للحزب أو السكرتير العام مع كم نفر من أقربائه وأقرباء زوجته!؟ حقيقة في خضم هذه المأساة التي تمر بها سوريا العزيزة وشعبها الأبي هناك امور مثيرة للضحك والأسى، أن ترى هكذا اشخاص يدعون بانهم قادة ومسؤولين كبار في حركات سياسية او ثورية، وقد تركوا شعوبهم واحزابهم المفترضة وقدموا الى خارج الحدود هربا وكذبا وطمعا بمنافع ذاتية وارتزاق رخيص، وتملصا من مسؤوليات وطنية تحتم عليهم كمواطنين واعيين، وليس كمسؤولين ان يكونوا في قلب الاحداث ومن محركيها لا ان يهربوا ويتركوا شعوبهم كما يقول المثل: الشقى على من بقى!؟ لقد أثبتت الأحداث خلال الأشهر القليلة الماضية لا وجود حقيقي مؤثر لكثير من تلك الأحزاب على الأرض وبشكل أفقي رغم ادعائها عموديا أنها تمثل شيء ما، لكن نتائج الأمور أكدت حقيقة وجود قوى أخرى أكثر فاعلية واتساعا، هي قوى الأهالي من الشيب والشباب، نساءً ورجال، ممن يمثلون تاريخيا حركة المجتمع وقواه الأساسية، وقد نجحوا بحنكتهم وأصالتهم وصمودهم في السيطرة على الأمور وتحريك الشارع لصالحهم، بما يؤمن دوام الثورة والحفاظ على هويتها ومقاومة النظام بشتى الوسائل ميدانيا، ولعل تجربة كوردستان العراق أفضل درس للحركات الثورية الأصيلة التي التصقت بالأرض وحافظت عليها، طيلة حقبة مقارعة النظام الدكتاتوري في المناطق المحررة، حتى نجحت في انتفاضة الربيع عام 1991م بتكريس تجربتها وبناء أسس نظامها الديمقراطي في أول انتخابات حرة أنتجت مؤسسات تشريعية وإدارية ذات مقبولية شرعية من قبل الرأي العام العالمي أتاحت لها قبولا واعترافا من المجتمع الدولي. إن أهم ما يواجه قوى الثورة الحقيقية في الداخل السوري وخاصة في المناطق الكوردية المحررة، هو الإسراع بانجاز انتخابات عامة في تلك المناطق التي يسيطر عليها الأهالي، لتأسيس مجلس تمثيلي وسلطة شرعية لإدارة تلك المدن والبلدات وإيقاف عملية الإفراغ السكاني التي تتعرض لها كثير من المدن والبلدات والقرى بذريعة الانفلات الأمني أو التدهور الاقتصادي، ولكي تكمل صناديق الاقتراع شرعية الفاعلين الحقيقيين للانتفاضة في سوريا.
|