اخلاق الفيل |
روى رجل أعمال لبناني له مكاتب في مطار فرانكفورت٬ أن الأفيالُتشحن من الهند إلى أميركا عبر ذلك المطار من دون وثقها بحبل واحد. توضع على الطائرة٬ ثم توزع بين أقدامها الصيصان (الكتاكيت) فلا تعود تتحرك طوال ساعات خوًفا من إيذاء المخلوقات الصغيرة. كتبت يومها القصة التي أذهلتني٬ لكنني بقيت مشكًكا في أن في الأمر بعض المبالغة من أجل تذويق الحكاية للمستمعين. اليوم أقرأ «الأعمال الأدبية»٬ لليوناردو دافنشي٬ «دار التكوين»٬ دمشق في ترجمة بديعة. وفي هذه الأعمال ينصرف الرسام العظيم إلى دراسة الحيوان على غرار معلمنا الجاحظ والدميري والملوحي. يقول دافنشي إن «الفيل يمتلك ما يندر وجوده عند البشر٬ ألا وهو الاستقامة والرشد واعتدال الطباع». وقال الجاحظ إن «الفيل أسرع الحيوان الوحشي أنًسا بالناس». يقول دافنشي: تنزل الفيلة إلى الأنهر وتغتسل بمهابة مطهرة أنفسها من كل رجز. وإن رأى أحدها إنساًنا وحيًدا وتائًها فإنه يرده بلطف إلى الدرب الذي ضَّل عنه. ولا تسير الفيلة إلا جماعات يتقدمها متقدم. ولشدة حيائها لا تتزاوج إلا في الليل٬ وخفية٬ ولا تعود إلى قطيعها إلا بعد الاغتسال في النهر. وإذا اعترض طريقها قطيع من الماشية فإنها تزيحه جانًبا بحركة لطيفة من خرطومها لكي لا تطأه بأقدامها. وهي ترتعد خوًفا من زعيق الخنازير٬ وتجد غبطتها في الأنهار٬ وطعامها المفضل جذوع الأشجار. وعندما تعبر الأنهار ترسل صغارها صوب المسيل المنخفض بينما تقف هي على الصعدة لتكسر تيار الماء المشتد٬ فلا يكون قادًرا على جرف الصغار بعيًدا. وللفيلة أسر فيها العمات والخالات والأقارب. وتبين من تشريح دماغ الفيل أنه يزخر بعصابين متخصصةُتعرف بالخلايا المغزلية التيُتعتبر مسؤولة عن الوعي الذاتي والتعاطف٬ والوعي الاجتماعي لدى البشر. بنيت الفلسفة الديكارتية على أساس «أنا أفكر٬ إذن أنا موجود». فماذا عن هذا الكائن الشديد الضخامة والقوة٬ الكثير العطف والعناية؟ وأين في البشر من يتجمد طوال ساعات لكي لا يؤذي صوًصا صغيًرا لا يكف عن إصدار أصوات الطفولة والضعف؟ والإنسان يبيد الأفيال لكي يبيع أنيابها التي لا تستخدمها إلا في مساعدة رفاقها٬ فتطمر حفرة إذا سقط أحدها فيها حتى تساعده على النهوض والنجاة. الفيل لا يربى في البيوت وإلا فكان أقرب الحيوان إلى الباحثين عن الرفقة والعطف والصدق خارج دنيا البشر.
|