باسم يوسف

 

لم يكن يتوقع اخوان مصر أن يلاقوا في فرحتهم الأولى بتسلمهم السلطة، من يضيف إلى أرقهم من المعارضة، أرقا جديدا، انطلق من موقع YOUTUBE ليبث على أشهر القنوات الفضائية المصرية، إنه برنامج "البرنامج"، الذي يقدمه طبيب شاب اتخذ من السخرية منهجا في تشخيص عيوب النظام السياسي الجديد في مصر.

هذا البرنامج الذي حاول الاخوان أن يتقبلوه على مضض مرات عدة، ومجاراته مرات أخر، عبر برنامج مشابه للنيل من مقدم برنامج البرنامج، وأحزاب المعارضة، إلا أن مقدميه بلحاهم الطويلة، لا يتحلون بوسامة باسم يوسف التي عابوها عليه، في محاولة منهم للانتقاص من شخصيته وحضوره و خفة ظله التي جعلها جسرا لتمرير رسائل سياسية صادمة، وصلت حد أن يكون محمد مرسي الرئيس المصري هو الموضوع الأول لأغلب حلقات برنامجه.

كل أسبوع تضاف حلقة جديدة، يقل معها صبر الاخوان، إلى أن نفد أمام شعبية مقدم البرنامج الشاب، وقوة تأثيره في الشارع المصري، فما كان منهم إلا اللجوء للمدعي العام المعين بإرادة أخوانية، لاستصدار أمر بإيقاف البرامج أو مقدمه، غير أن محكمة القضاء الإداري، ردت الدعوى، في اشارة واضحة لاستقلال القضاء وقوة حكمه، الذي يطال الرئيس قبل الغفير.

كل هذا يحدث في بلاد النيل، على بعد آلاف الأميال عن بغداد التي لا يوجد فيها باسم يوسف ولا أخوان على سرر متقابلين، بل أحزاب، في أوج تنافسهم الانتخابي، فما بين تصفيات جسدية لمرشحين، إلى تمزيق متبادل للافتات الدعائية. ولو افترضت من قبيل الحلم ليس إلا، أن يكون لدينا باسم يوسف عراقي، لا تمسكه حدود، ومتحصن بقوة القضاء المستقل وليس قضاة تحولت لحاهم إلى مكانس تمسك بها جهات عدة، فماذا يمكن أن يحدث لباسم يوسف العراقي إذا صور برنامجه في مكان معلوم للجميع؟ بكل تأكيد ستدخل إلى الاستوديو جماعة من أصدقاء البيئة لأنهم لا يستخدمون الأسلحة النارية المعطرة بالبارود، يحملون "بوكسات الحديد" و"تواثي"، ليجعلوا عاليها سافلها، بالرغم من وجود ثكنة أمنية بالقرب من استوديو التصوير (على سبيل الافتراض) ولا تتدخل، ليظهر باسم يوسف العراقي في الحلقة الجديدة، وهو يسبح بحمد ضاربيه، لاعنا اليوم الذي أصبح فيه إعلاميا أو صحفيا في بلد مثل العراق.

إن فضاء الحرية الذي نحلم به، في مثل هذه الأجواء المضطربة، ينقلب إلى كابوس، يلاحق الحالمين به، فلا يمكن لصحيفة أن تتناول موضوعا حساسا، من دون أن يتحسس القائمون عليها رقابهم، ولا يمكن لمصور صحفي أن يستخدم كاميرته لالتقاط مشهد الغروب فوق نهر دجلة مثلا، لكثرة الممنوعات، أو سيجد من يطالبه بتخويل رسمي بالتصوير، فيما الحدث الصحفي لا يصمد أمام روتين المعاملات الرسمية.

اكتفى الصحفيون والإعلاميون بتغطية أحداث التظاهرات التي عمت العراق منذ 3 أشهر ولا تزال متواصلة، عرضت فيها مطالب عديدة، وبغض النظر عن عدم مشروعية بعض المطالب، كان على الصحفيين أن يعرضوا مطالبهم وهو مطلب وحيد لا غير، يتمثل بقانون حقيقي يحمي الصحفيين ويتيح لهم الوصول إلى مصادر المعلومة دون قيد، وهذا الأمر هو الذي تقوم على أساسه الصحافة الحرة التي تستحق أن تأخذ دورها كسلطة رابعة، لا أن تكون الطرف الضعيف في المعادلة والمستباح من الجميع.