كلنا سمعنا بجهاد الدفاع عن حياض الأوطان، وسمعنا أيضاً بجهاد الطلب، وجهاد الدفع، وجهاد المرتدين والمنافقين، والجهاد ضد البغاة والطغاة، ثم سمعنا بجهاد النكاح الذي تسلل إلينا من المخادع الظلامية الغارقة في الرذيلة، فكان من أخطر مؤشرات الانحراف نحو الدرك الأسفل من السقوط الأخلاقي، لكننا لم نكن نتوقع أن يأتي علينا اليوم الأسود، الذي نسمع فيه بجهاد التجسس، أو التجسس الجهادي، أو العمالة الجهادية، فقد كنا وحتى وقت قريب نفاخر الدنيا بشجاعة أجدادنا وبسالتهم، ونصدح ببطولات المجاهدين الأوائل الذي كانوا نجوماً ساطعة في سماوات الشهامة والمروءة والفداء، وكانوا أول المضحين بأموالهم وأنفسهم في سوح الوغى، ثم حذفت علينا الأقدار مجاميع من العملاء والجواسيس، الذين لم يترددوا أبداً عن كشف وجوههم القبيحة عبر شاشات الفضائيات العراقية، فطفحوا على السطح ليعلنوا عن ولاءاتهم المريبة لوكالات المخابرات الأمريكية والبريطانية، وربما كان المدعو (انتفاض قنبر) آخر المتباهين بنضاله التجسسي عبر منبر (البغدادية). قال له المذيع: هل كنت من عملاء الـ (CIA) ؟، فأجابه (قنبر) بنبرة صريحة وواضحة: كلا لم أكن من عملاء (CIA)، بل كنت من عملاء الاستخبارات العسكرية الأمريكية (DIA). وفي طليعة المشاركين مع القوات التي احتلت العراق. كان هذا القنبر وغيره من القنابر عبارة عن عينة واحدة من بين عشرات العينات الغامضة، التي تبوأت أرفع المراكز القيادية والإدارية والتنظيمية في العراق، فهل هنالك أية مبادئ أخلاقية أو وطنية تقبل بمثل مواقف واعترافات من أعضاء معروفين في أحزاب مؤثرة وفاعلة في العملية السياسية ؟. وهل تسمح الديمقراطيات الحقيقية أن يكون حزب في دولتها تابعا علانية لدولة أخرى ؟. منذ أعوام قليلة، نشر الشاعر المغترب أحمد مطر لافتة وطنية، حملت عنوان (هذا جواب الأسئلة)، تناول فيها هذه الظاهرة التجسسية المستهجنة، بقوله: كان بالسر عميلاً، فلماذا أنتم الآن تؤدون جهاراً عمله ؟ أتقولون اضطررتم، فدخلتم باب بيت العُهر، لاستنقاذ وجه الطهر مما فعله أي دين يا ترى قال لكم: إن ذنوب المومس الناشز تمحوها خطايا المومس المبتذلة ؟؟ المثير للغرابة إن هؤلاء لم يخجلوا من التبجح بأفعالهم الخسيسة، ولم يجدوا حرجاً من استعراض نضالهم التجسسي ضد الشعب العراقي، فكانت أعذارهم أقبح من أفعالهم، بل وصلت بهم الوقاحة إلى الظهور العلني للتحدث عن (جهادهم) التجسسي أمام الناس. سألوا الزعيم الألماني أدولف هتلر: من هم أحقر الناس الذين رأيتهم في حياتك ؟؟، فقال: هم الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم، فسحقاً لمن باع العراق مقابل حفنة من الدولارات، وتبا لمن تآمر علينا من أجل مركز لن يدوم، والذل والعار لكل الجواسيس والعملاء والخونة. ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين
|