استغربت من استقبال بعض العراقيين لحادث ردم جدار الخضراء ببرود. هناك مَن لم يبرد، فقط، بل وسخر من الذين فرحوا بالحدث. يبدو انهم تعاملوا مع الأمر وكأنه شأن مادي: حواجز كونكريتية صماء قد رُفعت عن طريق الناس هكذا قرأوها. ما بين الخضراء الفاسدة وبغداد لم يكن جدارا امنيا او كونكريتيا، بل كان حاجزا طبقيا مقصودا. علمّ أبو ناجي الاقطاعيين بالعراق يوم كانت سوقه رائجة ان هيبة الاقطاعي لا تكتمل الا إذا كانت له قلعة عالية وطريق خاص لا يمر به عامة الفلاحين الا بإذن مسبق من سركال او حوشي او من الشيخ نفسه. ما هو القصد؟ انه زرع الخوف في قلوب الناس؟ وما الفائدة؟ من يخف يسهل غسل دماغه. الذين يعيشون في الخضراء كالمقيمين في طائرة بعيدون عن كل ما يُصَّب على العراق من دماء ودموع وخوف وموت ومجازر وتفجيرات وبؤس وفقر وحرّ وبرد. كتبت مرة، انه حتى عزرائيل لا يعرف إليهم طريقا. انها مدينة الضحك على البسطاء تأكل أموالهم لحما وترميها لهم عظما. كل الاسوار والصبات ومفارز الأمن التي فيها وحولها تحمل بعدا رمزيا وليس ماديا حسب. لا ابالغ لو قلت انها كانت حاضنة لتفقيس الاغبياء واللصوص وذوي العاهات العقلية والنفسية المتخصصين بقهر العراقيين. هدم اسوار الخضراء الغريبة عنّا في كل شيء لا يقل أهمية عن هدم جدار برلين عند قوم يفقهون. في الخضراء يكرهون هذا الشعب ولو كانوا يحبونه لما سرقوه وظلموه وجاءوه بسعلوة داعش! حتى يلتهي بمصيبتها ليظلوا هم وحدهم لا شريك لهم في خضرائهم ينعمون. انصح من استهان بفتح الخضراء امام الناس ان لا يستعجل. فيها نوع من المخلوقات سينجلط لو سمع اغنية لسعدي الحلي تنطلق من احدى سيارات الشعب المارة من هناك. ستجدون اولادهم المايعين من فرط حلاوة ماء المسابح ونعومة المكيفات الخاصة سيضغطون على آبائهم كي يرحلوا لان أصوات "هورنات" الشعب ستعكـِّر صفاء أمزجتهم الحريرية. فماذا سيفعلون اذن لو ان أصوات المتظاهرين وصلت الى آذان زوجاتهم المسعدات اللواتي لم يفقدن قتيلا ولم يذرفن دمعة ولم يلبسن ثوبا اسود من الحزن على مدى ولايتيـن عليهم؟!
|