الإستدانة والمفاهيم الكيفية |
الصراحة تقتضي ان نقول ان الدول لا يحق لها الاستدانة، أي طلب الاموال من دول اخرى أو حتى من السوق المالي العالمي، ان هذا الطلب يترك أثراً وعلامة سلبية لا تنمحي بسهولة.
في نيسان 1983 أوقف جريان الصادرات النفطية عن طريق الخط السوري كركوك – بانياس وطرطوس. وبدأ العراق يسد حاجاته من المستوردات بالدفع الآجل. وكانت المستودعات وأرصفة الموانئ في الدول المنتجة تغص بالبضائع والاجهزة وحتى المعلبات، والتي وجدت منفذاً تهيأ لها لتجعل من العراق سوق تصريف رحب. ولحين منتصف العام 1990 بلغ الدين التجاري بحدود 33 مليار دولار امريكي تمت جدولة تسديد غالبيته على مديات مختلفة. وعند فرض الحصار على العراق في آب 1990 تم ايقاع الحجز على موجوداته في الخارج وفي مقدمتها الارصدة المالية في البنوك. مما أدى الى التوقف عن تسديد الديون وفقاً لاتفاقيات التأجيل وهو أمر فرض على العراق كعامل قاهر يخضع لمفهوم (القوة القاهرة) ولم نتمسك به مع الأسف خاصة وان الرغبة في التسديد كانت قائمة بتواصل تسديد اقساط الديون التي يتوالى استحقاقها اضافة الى مستحقات خدمة الدين، التي تتوقف عادة عند التسبب في وضع المدين في حالة الاخفاق بالقوة المذكورة.
يجدر بنا اليوم أن نعي ما حدث لنا وما فرض علينا من حيف وتكاليف ونحن نتوجه للاستدانة من العالم. وأقر هنا بأننا في دولة وما علينا الا التمسك بالقواعد التي لا يحق لنا اختراقها أو غض النظر عنها بحجة أننا نريد انقاذ الموقف. ان الدولة ليست سفينة يتلاعب الموج المتلاطم بها. بل هي أرض وشعب وهوية وسلطات تقع عليها مسؤولية تدوير الامور وابعاد المخاطر الآنية والمستقبلية.
اننا نواجه الاخطار الملموسة وغير الملموسة، وكلاهما يتسببان في اهدار الدماء وهي أغلى ما على الجميع مراعاة الحفاظ عليه وتأمين سلامته. ولعلنا ندرك أننا أمام خيار تقدير ما نملك وما بأيدينا من الاموال القدرات لنتصرف ونتحرك في ضوء ما تتيحه لنا.
وقطعاً فان الكلام في السياسة لم يعد مجزياً ولن يوصلنا الى بر الأمان. نحن أمام موج هائل يتزاحم ويتدافع لاغراقنا الى الابد. فالسياسة التي نتحدث بها انما صارت وسيلة تدمير منظم ابعدتنا عن كل ما يجب التفكير به وبحثه لنخرج من المأزق أو – المصيبة- التي نحن فيها.
ومن المؤلم بقسوة هو ان التسريبات الاعلامية صارت تمزح وتتندر عندما تقدم المبعوثون العراقيون للسوق المالي العالمي للاقتراض. اذ وصلت النوادر الى أن الستة مليارات دولار امريكي المطلوبة، ستستخدم لتسديد الفقرات التشغيلية في الموازنة. وتمادت المزح والنوادر الى ما هو أبعد من هذا التساؤل وأكثر قسوة.
لعلنا ندرك ونتدارك قبل فوات الاوان، ان باب الاستدانة اذا ما فتح امامنا فسوف يبقى فاغراً فمه لمدة طويلة، كافية لتدخلنا في الشرنقة. كذلك فهو سيتطلب اضافة حقول انفاق في الموازنة ذات (العجز المخطط)!!! لتسديد اقساط الديون واستحقاقات خدمة الديون.
ليس على سياسيينا الاستمرار في التغاضي عن واجبات مهمة، أولها تحسين المنظر السياسي العراقي، بما يمكنه من الحصول على موضع مقبول في المجتمع العالمي الذي لا بد أن يهب لمساعدتنا في اعمار الخراب بعد أن يدرك بأننا جادون في بناء ما تهدم والتطلع بحرص واخلاص لمستقبل نستحقه، وطال انتظارنا له.
|