سراجات قليلة |
دامٌس وطويٌل ليُل العرب. ووعٌر نهاُرهم. بي عادة سيئة٬ وهي أنني لا أتأَّمل في الصور وجوه الناس فقط٬ مع أن ذلك يكفي ويزيد. لكنني أتأَّمل خلفية الصورة أيًضا: بلدة ميخائيل غورباتشوف لم يكن قدُعِّبد طريقها بعد. بغداد تتهاوى٬ ولكَّن شوارعها لا تزال فقيرة٬ ومبانيها من الأيام الماضية٬ ولا ترتفع إلا التماثيل. طرابلس٬ وليس فيها سوى فندق واحد لتسهيل مراقبة الصحافيين. بنغازي٬ وقد أهملها المنتقم لأنه كان في خيمة٬ بينما هي تنفتح على المتوسط وتستعيد حضاراتها القديمة. دمشق٬ ولا تزال على حالها٬ بينما تزدهر جارتها بيروت وتناطح السحاب رغم قصف استمر 17 عاًما وجميع أنواع الأصفاد. تأّمل الصورة الآتية من اليمن بعد 33 عاًما من حكم علي عبد الله صالح٬ الكابوس الذي يرفض النزول عن الصدور: صحاٍر ورمال وحجارة معدنية سوداء. رجال ليس عليهم سوى «الشملة» وحفاة. ولا يزال يدفعهم إلى الموت والجوع. تأّمل العالم العربي: مدارس مغلقة٬ وخيام مفتوحة٬ وحكام يستفتون في بقائهم الضحايا والركام. وإذ ينقبض صدرك وترتخي مآقيك٬ يلوح سراج هنا٬ أو ضوء يحاول كسر الظلام. الصحافية رانيا أبو زيد كتبت حتى الآن حلقتين من بغداد «نيويوركر». جالت في شرق المدينة الفقير٬ حيث تخلخل المجتمع٬ واضطرت النسوة إلى الاسترقاق. ووسط هذه الغابة غير البشرية من تجار أعراض وشركائهم في الشرطة والحياة غير الإنسانية٬ تجول امرأة مع زوجها٬ أحياَء البؤس٬ بحًثا عن طريقة للمساعدة والمواساة. هي أيًضا كانت ضحية هذه الجريمة ذات يوم. وفي رسالة أخرى من بغداد تكتب أبو زيد عن «البطلة مديحة الموسوي» عضو البلدية التي تقود أوسع حملة تطوع لخدمة المشّردات في بلد فيه 3.5 مليون مشّرد. سراجات ومنائر في ليل العرب الطويل. آخر مبادرة لمحمد بن راشد تبدو مثل قصة متخّيلة. لكن في هذا العالم العربي المضطرب٬ لا يكّف هذا الرجل عن رفع النماذج المضادة وإرساء المؤسسات الكبرى. هذه المرة مؤسسة إنسانية أعلى من برج العرب وأوسع من مطار دبي. تأَّمل دبي في 33 عاًما٬ وتأَّمل اليمن. وتأَّمل البلدان الأخرى التي مضى على حكامها سحابة ثلث قرن. أنا في انتظار الرسالة الثالثة لرانيا أبو زيد من بغداد. أو لعلّني غير صادق. لم أتمّكن من إكمال الرسالتين الأوليين. لم أصّدق أن هذا هو عالمنا. قعر البؤس والذل٬ وليل العرب فٌّظ مرعٌب وقاٍس٬ وبلا نهاية.
|