سيارة الشعب! |
لا شك أنكم تابعتم الأزمة التي ضربت «فولكسفاغن» أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم. كانت تطمح للحلول محل «تويوتا» في مرتبة البيع الأولى في الولايات المتحدة٬ فلجأت إلى الغش في جهاز قياس التلوث. خسرت الشركة بسبب ذلك المليارات٬ وأضرت البورصات٬ وسوف تخسر المزيد. حاولت أن أقرأ رد فعل الألمان على ما حدث لأحد أكبر رموز الصناعة الألمانية منذ أن صنعت «سيارة الشعب» لأدولف هتلر٬ التيُعرفت فيما بعد بـ«الخنفسة». أكثر الردود اختصاًرا جاء في مجلة «دير شبيغل»٬ أيًضا رمز الصحافة الألمانية. قالت: «حان لصناعة السيارات الألمانية أن تتخلى عن غطرستها». تخّيل أن أزمة مشابهة ضربت في العالم العربي. مثلاً حدثت شكوى من زيتون تونس٬ أو قطن مصر٬ أو تفاح لبنان. أولاً سوف ننكر ذلك. ثانًيا سوف ننظم حملة كاسرة على المنتقدين. ثالًثا سوف نطالب بإبعادهم عن البلاد ونعتبر أن المسألة مؤامرة أميركية صهيونية إمبريالية استعمارية٬ يمولها لوبي التفاح والقطن والزيتون. حدث ذلك في حالات كثيرة. مثلاً عندما نتهم بإساءة معاملة الخادمات٬ أو العمال٬ أو المسافرين العاديين. ونحن في لبنان أكثر شعب يقسو في معاملة الخادمات البائسات. ويتطلب الأمر إنساًنا في حجم زايد بن سلطان٬ الذي أصر على إعدام مواطنُحكم بتعذيب وقتل خادمته. في العدالة٬ المواطن مثل خادمته. كلاهما بشر. وفي حالة مثل تلك٬ هي أكثر بشرّية منه. للثقافة الغربية سيئات كثيرة في مقابل ما نحافظ عليه من قيم. في زياراتي الأولى للخليج٬ كنت أرى السائقين يجلسون إلى مائدة الحاكم إلى جانب الضيوف. وكنت أرى على الدوام رجلاً إلى مائدة الراحل خالد المرزوق في ماربيا. ولم أعرف أن هذا سائقه إلى أن حاول العراقيون نسف سيارته٬ فنجا هو وقُتل السائق. غير أن في ميزات الغرب أنهم يتقبلون كل شيء إلا الكذب والخداع. مؤسسات ضخمة تفلس إذا فعلت. ورئيس أميركاُيرغم على الاستقالة ويموت منبوًذا. وكبار الصحافيين تنتهي حياتهم المهنّية إذا خدعوا قراءهم. نحن نعيش على الإنكار وأول وأهم ضحاياه هو نحن. من لا يقر بخطئه كيف يمكن أن يصلحه؟ لم تقل «فولكسفاغن» أنا لا أخطئ. لم يقل الألمان هذه مؤامرة. قالوا لصناعة السيارات الأهم في العالم٬ كفى عنجهية وغطرسة٬ وإياكم أن تكرروا الخديعة. الطريقة التي نرد بها على النقد الحقيقي٬ تحول دون أي تصحيح أو تقّدم. نهب جميًعا كأنما في الأمر اعتداء بدل أن نتأمل. يحدث ذلك خصوًصا في السياسة والأدب
|