إبان الحرب الطائفية التي عصفت بالعراق عامين 2006-2007 تعرفت على مجموعة من الأخوة الأيزديين حين تحول مقهى الأنترنت عندي في شمال ألمانيا إلى ملتقى يجمعهم، وعلى الرغم من اني عايشت الكثير من الشعوب والثقافات والأوطان لكن ثقافتي كانت لاشئ بخصوص هذا المكون العريق والكبير من مكونات العراق وبعض دول جواره . وبسبب كميه الطيبة والبساطة والصدق التي تحلى بها هؤلاء الأخوة تطورت علاقتي بهم وكأنا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد، وكما قال صديق كوردي يوماً عن علاقتنا ( معدان الجنوب ومعدان الشمال )، نعم لا أنكر ان أول ماشدني وأثارني فيهم هو أسماء بعضهم التي لايسمي بها غيرنا نحن المسلمين الشيعة ( إلا ما قل وندر ) خصوصاً قبل زمن الطائفية وحرب الإبادة الأولى لشيعة العراق، وأما بعد انتشار وبآء الطائفية في كل العالم وأينما وصلت أصابع الإسلام الوهابي فالأمر اشد، واصبح من شبه المستحيل أن يتسمى المسلم السنّي بمسميات شيعية أو بالأحرى شخصياتهم ورموزهم , والعكس أيضاً. المهم ان أول ما شد انتباهي هو أسماء مثل ، عقيل وباقر وحسن وعلي وصادق ومهدي وحسنين ، هي من جملة أسمآئم رغم انهم لايدينون بالأسلام . وكعادتي مع اصدقائي كنت أمزح معهم كثيراً وبلا حدود وقد كنت أقسوا على بعضهم احياناً، يوماً ما قلت لمهدي الأيزدي ما معناه ( أنه لو رجع الى العراق وأمسك به وهابية القاعدة والزرقاويين - قلت - لاتذكر اسمك الحقيقي وتنكر بأي اسم أيزدي ) فضحك وقال لماذا فأنا في كلا الحالين مقتول مقتول مقتول ! فقلت له كن من تكون أمام أي وهابي لكن المهم أن لاتكون شيعي لأن لهم عند علي ابن أبي طالب (ع) ثأرات لايمحوها تقادم الزمن وبذلك يُزاد على قتلك التشفي والتمثيل بجثتك أو حرقك . مهدي الأيزدي كان يحدثني عن زمن الحرب العراقية الايرانية أو الأيرانية العراقية حيث كان السني البعثي خليفة الله على عباده يعبث بهم كما يشآء، كان يحدثني عن كمية الحقد التاريخي الموروث على كل مايرتبط بعلي وشيعته ولو بصورة غير مباشرة . فكان عرضة للعقوبة والإهانه والإعتداء لمجرد التشفي بالمسمى الشيعي رغم معرفتهم وتسليمهم المسبق بان صاحب الإسم هو أيزدي وليس مسلم . كان يخلط نفسه بالجنود من أهالي ( الثورة ) لكي يتقاوى بجمعهم على بعض البعثيين الذين يفرغون غلّ اجدادهم بهذا الجندي المسكين الذي ساقته حروبهم من جنة أهله هناك في شنگال إلى سواتر الموت في منطقة الشيب الملتهبة، كان يعاقب أكثر منا نحن الشروگية لأنه يتشبه بنا ، كنت أعرف أنه يتألم حين كان يتذكر تلك الأيام العجاف رغم أنه كان يضحك، اليوم مر ما يقارب ست سنوات حين رأيته آخر مرة لأني انتقلت إلى السويد، لكني اتذكر جيداً شوقه وحنينه إلى أمه وأهله هناك في شمال العراق وأتذكر أنه كان على شفاقرار بالعودة الى الوطن . قبل شهور مررت باصدقائي معدان الشمال في المانيا زائراً، وأخبروني أن خبر مهدي انقطع منذ إنسحاب القوات الكوردية وتسليمها شنگال لمجرمي داعش الوهابيين . فبكيت صديقي المسكين وتذكرت وصيتي التي لاتغني عنه شئ، لكني بقيت اتخيله وهو يقف بين نفس اللذين كانوا يتمادون في اذاه وهم ضباط في قاطع الشيب، بعد أن اطلقوا لحاهم اليوم ولم يبقى من أساليب عقوباتهم سوى الذبح .
|