حينما تموت عاشقا

أي عذابٍ أكبر من صراخٍ بلا أصوات ؟ وأية غصةٍ أكثر ألماً من بكاءٍ بلا دموع ؟ وأي جرحٍ أعمق من موت عاشق قبل أن ينطق شهادة الحب؟

لم أعلم قبل اليوم بأن للأموات مراتب،  لم أكن أعرف بأن هناك من يتجول بيننا دون أن نراه،  يحادثنا ويناشدنا لكن بلا جدوى!!

نلتفت ويركض ليقف أمامنا من جديد لعل حركة ما أو فعلاً أخر يزيح ذلك الغشاء الحاجب بيننا ونراه،  نمضي بخطوات على رؤوس أطراف الأصابع ليلاً كي لا نحدث أصواتا توقظ النائمين،  جاهلين بأن هناك من الأموات أرواحاً تجالس السلالم والممرات تنتظر من تحادثه أو بالأحرى تنتظر شخصاً ما فقد إشتاقت لرؤيتنا.

وحدها النجوم من تضفي لتلك السماء السوداء بريقاً يأخذك لمعان واحدة ويستقطبك آخر أجمل منها لتجد نفسك بين النجوم تائهاً لعلك تكحل عينيك اليوم بطيف ذلك المحب الغائب.

سنعتاد العيش كما لو كنا بين أسوار القلعة عبيدا لأولئك الحكام والملوك،  فالعشق الأزلي حكاية لايفهمها إلا من يعشق تلك الأشياء القديمة ذات الروائح الغبارية التي نسجت فوقها خيوط العناكب بيوتاً لأنها تروي العذاب بين سالف العصر والزمان،  بل هي رواية صمم غلافها على وقع جروح أظافر تلك الشقية.

من منا لم يشتق يوماً لوجوه فارقت الحياة؟ من منا لم يبتسم لرسم ترف السعادة في ذكراهم؟ ومن منا لا يحلم بعودة الزمن لتصحيح الأخطاء؟

فراقهم أيام نعدها وكأنها لحظات صمت ترجو موعد الرحيل أن يقترب وعيون تراقب المحيط لتصوره بحكاية ضيف على مشارف سكة قطار وداع الحياة يلقي علينا السلام فيغرب ليخبرنا بأن جمال الأرض لم يعد يعنيه فأجمل منها قلوب تبلورت تحت حبات الرمال وأرواحٍ أخف من جنح الفراشة تكاد ألوانها تمحى حينما نمسك بذلك الوهم وتغرب فما لنا من واقع ملموس إلا بتلك الأنامل وهي مصطبغة بغبار الذكريات.

ذكريات ليس إلا فالقلب يطرب لوجع الماضي حتما والماضي لا يعود وأشخاص غادروا الحياة محبين وآخرين مازالوا بها كارهين.

أية لعنة هذه وأي جرم قد إرتكبناه كي نولد بقلوب لا تعرف طعم الحب وأخرى متسكعة به مخنوقة تحت المقابر.