السني يرفض والشيعي يرفض... والكوردي يسأل
بعد نجاح انتفاضة آذار 1991 في كوردستان وإجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة الاقليم،  كانت الظروف التي تمر بها كوردستان والعراق والمنطقة معقدة وغامضة،  وفرض النظام العراقي حصارا على كوردستان بالاضافة الى الحصار الدولي الذي كان مفروضا على العراق، لذلك بحث الشعب الكوردستاني والنخب السياسية والثقافية وبرلمان كوردستان عن طريق مناسب للعيش المشترك بين المكونات القومية والدينية والطائفية وتحقيق السلام والإستقرار والديمقراطية في البلاد، وتوصلوا الى حقيقة مفادها ان الفيدرالية نظام سياسي مناسب للتعايش السلمي وبناء الثقة والمصالحة والتوافق الوطني وتحقيق الإستقرار والإعمار والتنمية، وهي الحل الامثل للقضية القومية وتوزيع السلطات والثروات.
وفي الرابع من تشرين الأول 1992 إتخذ برلمان كوردستان قرارا جريئا ومصيريا جسد الرغبات والتطلعات الحرة للكوردستانيين ونظم العلاقة بينهم وبين الاخرين إستنادا على حق تقرير المصير، واختار الفيدرالية لتعريف العلاقة القانونية بين اقليم كوردستان والسلطة المركزية العراقية وللحفاظ على العلاقة الأخوية التأريخية بين الشعبين الكوردي والعربي في العراق، ذلك القرار فتح امام شعب كوردستان آفاقا جديدة للنضال والتقدم نحو مستقبل زاهر وبناء التجربة الديمقراطية والفيدرالية والتي أصبحت فيما بعد نموذجا جديدا للحكم في العراق والمنطقة..
وعقب سقوط النظام البعثي في التاسع من نيسان عام 2003 تهيأت الأرضية المناسبة لإعادة بناء الدولة العراقية على أسس الديمقراطية والفيدرالية واللامركزية والتوافق والمواطنة والعدالة بعيداً عن تسلط وفرض مكون على آخر فأدرجت الفيدرالية في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية في عام 2004 وفيما بعد تم تثبيتها في الدستورالدائم عام 2005، وتم إعتبار الالتزام به هو الضامن الرئيس لحماية وحدة العراق..
الاحداث أثبتت عملياً أن الفيدرالية التي تعني تقسيم السلطات واحترام الارادة المستقلة للمكونات كان عاملا للتقدم في مجالات السياسة وحماية الحقوق والتنمية الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والاعمار والامن والاستقرار في الاقليم، وتلك التطورات أظهرت تفهما جيدا بين المواطنين والاطراف السياسية لمفهوم الفيدرالية وايجابيات هذا النظام، وتعالت في وسط وجنوب العراق اصواتا تستند على الدستور وتطالب بتأسيس اقاليم فيدرالية لضمان الاستقرار السياسي والحصول على الصلاحيات ليتمكنوا من إدارة شؤونهم بحرية بعيدا عن الروتين والفساد والإشراف المباشر للسلطة المركزية، وقدمت في العديد من المناطق طلبات لتطبيق النظام الفيدرالي، لكن تم مواجهة تلك الطلبات بالرفض والتجميد والتسويف لأسباب سياسية غيرواقعية وتم تجاهلها ولم ترد عليها بغداد رسمياً..
اليوم ونحن نستذكر ذلك القرار الصائب لابد أن نقول إن الفيدرالية التي نجحت في السابق وتشتمل على محاسن عديدة، غير قادرة على احتواء الوضع الراهن وغير ملائمة للمستقبل وذلك بسبب التجارب المرة مع حكومتي المالكي وممارساتهما التعسفية، والظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بالعراق وحجم التأثير والتدخلات في شؤونه الداخلية، وتحوله الى ساحة لتصفية الحسابات مابين القوى المتنازعة، وهيمنة كل قوة على المكون الذي يتقارب معها في المصالح وتأثيراتها على مجريات القرار السياسي العراقي، وقد إنعكس ذلك وظهر بشكل جلي في الرفض الشيعي المطلق والتام للحكم السني، وكذلك الرفض السني المطلق والتام للحكم الشيعي، وسؤال الكوردي حول مغزى قبوله لحكم أحدهما في حين لايقبل أي منهما بحكم الاخر. لذلك لابد من البحث عن صيغة أخرى تنظم العلاقات وتغير طبيعة النظام من فيدرالي الى كونفدرالي ينهي المشاكل القائمة بين حكومتي اربيل وبغداد، ويمنع التدخلات الاقليمية ويقطع الطريق على تعقيد الأوضاع أكثر فأكثر بين شيعة وسنة العراق.