وجهة نظر نهضوية |
يذكر العديد من الكتاب والمفكرين الى ان اي عملية ثورية او نهضة في بلد مضطهد او متأخر ، تنطلق من وجود ثلاث شرائح مجتمعية ، تكون لكل واحدة منها مرحلتها التي تقودها ، وتحقق غايات المرحلة بأمتياز كونها تشابه عملية التخصص في الجانب الاقتصادي ، فالشريحة الاولى تسمى شريحة البدء وهي الشريحة التي تأخذ على عاتقها اعلان الموقف وابراز القضية والتصدي لها وتتحمل كل انواع الترغيب والترهيب لثنيهم عن قضيتهم ، وهذه الشريحة سهلة التكوين بوجود الفكرة المحفزة التي تجذب لها جميع المظلومين والمتطلعين لأحداث تغيير جذري لواقع بلدهم ، ومثال ذلك مرحلة الجهاد ضد النظام الصدامي الطاغي حيث خرجت هذه الشريحة للتصدي وتحملت ما لم يتحمله غيرها ، ومن مواصفات هذه الشريحة انها تجمع الانفس الثورية وتوحيد كلمتهم بغض النظر عن مميزاتهم وقدراتهم وإمكانياتهم الفكرية والانتاجية ، وبعد ان تعلن الشريحة الاولى عن نفسها ويتم سماع دعوتها وأفكارها في كل مكان تكون بحاجة الى شريحة اخرى تسمى شريحة التغيير وهي الشريحة التي تحتاجها الاولى لتثبيت نفسها وترسيخ افكارها لإزاحة الافكار الاولى ، وهذه الشريحة تمتاز عن الاولى بأمكانياتها الفكرية ودرجة إدراكها لطبيعة التغييرات المرحلية ، ومن أمثلتها الكتاب والمفكرين والفلاسفة والاعلاميين ذوي التأثير في المجتمع المراد تغييره ، وهو ما فعله بعض المجاهدين العراقيين بعد عودتهم الى العراق أبان سقوط الصنم ليوفروا لهم كم هائل من التصورات والأفكار عن الحاجات والاليات الفعالة لأحداث تغيير فعلي ، والانتقال من وضع الى اخر ، وتتصدى هذه الشريحة الى جانب شريحة البدء لعدم امتلاكها القدرة على القيادة واحداث التأثير المطلوب لانصياع الجماهير ، وتستمر الشريحتين بالعمل معا ً لترسيخ الرؤية والفكرة الجديدة ، لتظهر فيما بعد الحاجة لشريحة ثالثة وهي شريحة البناء وهي الشريحة التي تتكون من مجموعة من المتخصصين وذوي القدرة على احداث التغيير بنقل المؤسسات من واقع متردي الى واقع متطور ، وتظهر هذه الشريحة لتحتل مكان شريحة التغيير وبعض أماكن شريحة البدء بأستثناء القيادة ، وتتميز هذه الشريحة عن سابقاتها بعدم الحاجة لإيمانهم المطلق والمترسخ بالقضية المركزية ، وانما تدفعهم الطموحات ( المشروعة ) للوصول الى بعض المراكز المؤثرة التي تكون من تخصصهم لتقديم وابراز إمكانياتهم وقدراتهم عَلى قلب الواقع الى واقع أفضل ويتماشى مع العصر بكل إيجابياته وسلبياته
وهذا مالم يحصل في العراق حيث ان شريحة البدء ( مشكورة على تضحياتها ) قربت شريحة التغيير وثبتت الواقع والرؤية الجديدة لكون الاخيرة لا تزاحمها على مناصبها لانها أشبه بالشريحة المستشارية ، ولكنها أبعدت ان لم تكن قد حاربت شريحة البناء لانها تأخذ المناصب وتسرق الاضواء وتترك لها التأثير المعنوي فقط وهذا مالك تكن تتقبله ، اذ تعتبر المناصب والمواقع ملكا ً لها وليس تفويضا ً لها وأصبحت تفكر بالطريقة ذاتها للطبقة التي حكمت قبل التغيير .
|