سقوط الصنمية غدا والربيع اللاعربي |
غدا ذكرى السقوط المهين لواحدة من أعتا الدكتاتوريات في التأريخ الإنساني المعاصر والقديم، بعد أن ترسخ اليقين لأركان هذه الدكتاتورية باستحالة زوالها، وأنها ستكون جزءا من النظام الوراثي الذي أنعدم وجوده دوليا، باستثناء الدول العربية وهي حالة يصر المستفيد منها على بقائها . لقد مارس أقطاب السياسة الأمريكية مدعومين بشركات السلاح والنفط عملية خداع محكمة الحلقات، واستطاعوا أن يكسبوا على الأرض مواقع مهمة وحساسة وجنوا فوائد كانوا يحلمون بها رغم فداحة الخسائر التي تعرض لها الشعب الأمريكي المخدوع، لان ما جنوه أكثر نفعا وربحا لهم ( أقصد هنا الشركات المؤثرة ) على عكس ما تعرض له الشعب الأمريكي من نكسات في نظر الآخرين، كانعدام الثقة، ونظرة الشك والريبة، وفقدان المصداقية لما يقوله منفذ القرار الأمريكي، وهي بالنتيجة تنعكس على علاقة الشعوب الأخرى بالأمريكان، الذين سمعنا منهم كلاما معسولا وأقوالا تنم عن حب الخير والرفاهية لشعبنا وادعوا انه سيكون قبلة الشرق الأوسط، وأن التجربة العراقية ستكون أكثر تطورا ونضوجا من التجربة الكورية في الشرق والبرازيلية في الغرب، وصدقنا لأن صدام كان قد أغلق بوجوهنا أبواب الأمل ولم يعد فينا من يرى بصيصا منه ولو على مسافات بعيدة وشاقة ومؤلمة . المهم وقع ما وقع وطحنت الحرب عشرات آلاف العراقيين، وقلنا مع أنفسنا أننا نخسر مثل هذه الآلاف على مدار حكم صدام، فلتكن هذه الوقعة أو التضحية هي الأخيرة في حياة هذه البلوى التي أحكمت طوقها على أعناقنا وتهددنا بالموت في كل لحظة . أن الصدمة التي أصابت الجميع هي أن الأمريكان جاءوا ومعهم بذور شقاق، وهذا يعكس واحدة من حالتين هي : أما أن يكون هناك من هو أبرع وأكثر مكرا داخل مؤسسة القرار الأمريكي ويسعى إلى إحراجهم وإخراجهم مفلسين من المنطقة، أو أن هناك قصورا في تفكيرهم ونظرتهم لمستقبل الأحداث، وقد أكتفت الإدارة الأمريكية بالاعتراف بارتكاب أخطاء في العراق، وهي إن صح التعبير أخطاء شنيعة وجسيمة جعلت العراقيين يديرون ظهرهم لحقيقة أن لا أحد يستطيع النيل من صدام غير الأمريكان ذاتهم، بسبب التعنت الأمريكي والإصرار على سلوكهم غير الصحيح في هذا البلد، والذي ما زال مستمرا بسبب استمرار الفوضى التي حلت بأرض الحضارات متزامنة مع قدومهم إليها . لقد كان يوم غد قبل عشر سنوات حافلا بالمفاجآت وأكثرها استقطابا للاهتمام : سقوط صدام أولا، والفوضى التي ضربت البلد ثانيا، وكم بذلنا من الجهود الحثيثة لإيقاف هذه الفوضى بلا فائدة لأن الغطرسة الأمريكية أقوى من المنطق وبعيدة عن الإخلاص للوعود السابقة . وتأكد عندها أن هناك انحرافا ظهر على الساحة يعكس المخططات المرسومة لما حصل، وسيغلب على كل معطيات التفاؤل، التي كان الجميع يترقبها بلهفة كرد اعتبار لحجم الضحايا الهائل الذي أصاب العراقيين وفجعهم بقسوة . أن الفوضى التي حصلت في العراق والتي كان الاحتلال يتذرع بالإرهاب سببا لها، وضحت أهدافها من خلال حقيقة أن الإرهاب لم تتوسع قاعدته في العراق إلا في ظل الاحتلال، ناهيك عن الفوضى التي حصلت في الساحة العربية وفي دول بعيدة عن الإرهاب، بل كانت مصدره له ولكن دورها انتهى حالها حال صدام فحصل فيها ما حصل ، وهذا ما ثبت من خلال ظهور الإرهاب بهذا الزخم الواسع والنشط المخطط له بدقة وأن كل المتغيرات التي حصلت في الوطن العربي هي نتاج من تبعاته، وأن أفضل توصيف لها هو أن نطلق عليها تسمية الربيع اللاعربي ( لأنه ربيع إسرائيلي بامتياز ) يكشف عن حجم العمالة التي أصابت حكاما وملوك وأمراء وحولتهم إلى مجرد خدم لهذا الكيان الذي من صالحه كل ما نشاهد ونسمع من مآسي واضطراب في وطننا والذي سيترك آثارا سلبية وسيئة لطويل زمن . ونستطيع أن نقول أن القوى التي أوصلت وساعدت صنم ساحة الفردوس على البروز وأسقطته لاحقا، هي نفسها التي تقف خلف هذه الفوضى الطانبة التي نغرق في أتونها .
|