حالة الاقتصاد العراقي يتطلب تبني برنامج "بدائل الاستيراد

افتتاحية الدكتور عادل عبد المهدي والتي كانت عنوانها " الموازنة ..افة النفقات التشغيلية" بتاريخ 13 تشرين الأول 2015 تستحق القراءة ولاسيما من أولئك الذين يتهمون الحكومة الحالية والسابقة بهدر المليارات من الدولارات , حتى وصل الحال ان يتهم نائب رئيس الوزراء السابق السيد بهاء الاعرجي بإهدار 1000 مليار دولار . مقالة الدكتور عبد المهدي تكشف جوانب مهمة عن حالة الاقتصاد العراقي والتي تتلخص:
هناك 7 ملايين مواطن يعتمد دخله السنوي مباشرة على ميزانية الحكومة.
قيمة هذا الاعتماد يعادل 80 ترليون دينار , أي قيمة النفط المصدر الى الأسواق العالمية.
لم يبقى من الميزانية شيء لصرفه على المشاريع الإنتاجية. أي ليس باستطاعة الحكومة الصرف حتى على البنى التحتية مثل الطرق والجسور , السدود , المستشفيات والمرافق الصحية , الطاقة الكهربائية , اسالة الماء , والمجاري وخاصة انها في حرب ضارية مع مجاميع داعش الاجرامية .
ان الميل الحدي للاستهلاك (نسبة مجموع مصاريف المستهلك الى دخله) تعادل 1 , أي ان المواطن العراقي على العموم لا يستطيع الادخار او الاستثمار, لآن قلة دخله السنوي لا يسمح له بالادخار ولو كان هذا الدخل اكبر لكان الميل الحدي للاستهلاك اقل من واحد , ربما .75 %وهي النسبة يتمتع بها المستهلك الأوربي والامريكي والياباني . بمعني , ان المواطن الأمريكي يصرف في المعدل 75% من دخله ويحتفظ بالباقي 25% كادخار لحاجته في المستقبل .
وطالما وان القطاع الزراعي والصناعي ما زالا معطلين , فان مصاريف المواطن الاستهلاكية لا يستفاد منها المزارع العراقي او العامل وانما يستفاد منها المزارع والعامل الأجنبي . أي ان المصدر الأجنبي هو المستفيد من مصاريف المستهلك العراقي على طعامه ومشربه وملبسه.
مع زيادة النمو السكاني في العراق والذي بلغ 3% (مرتفع جدا , في الولايات المتحدة الامريكية يقارب 0%) , فان الحاجة لخلق فرص عمل للشباب والشابات أصبحت ضرورية واصبحنا نسمع هتافاتهم بالمطالبة في توفير فرص العمل لهم من ساحة التحرير في بغداد وبقية المحافظات العراقية , الكردية والعربية .
الدكتور عبد المهدي اقترح ثلاث مصادر لتوفير الاستثمار في العراق: دعوة الدول المصدرة للسلع للعراق فتح فروع إنتاجية فيه مثل فتح خط انتاج سيارات تويوتا في الناصرية , الاقتراض الداخلي مثل اقتراض مواطن عراقي مبلغ مليون دولار من بنك مدينته من اجل فتح مشروع تربية دواجن , وثالثا الاقتراض من الدول الأجنبية مثل موافقة بنك اوف أمريكا اقراض موطن او مجموعة من المواطنين العراقيين مبلغ 100 مليون دولار لتأسيس معمل لصنع الحديد والصلب.

الدكتور عادل عبد المهدي طرح فكرة تبني العراق برنامج "بدائل الاستيراد " , أي تصنيع البضائع المستوردة في العراق , لتخفيف العبء المالي على الحكومة وبنفس الوقت توفير فرص العمل للمواطن العراقي . فكرة "بدائل الاستيراد" ولدت في أمريكا اللاتينية بعد الحرب العالمية الثانية بقليل وقد نجحت في دول وفشلت في دول أخرى.

فوائد برنامج "بدائل الاستيراد " عديدة ومنها التنوع في الإنتاج المحلي , التنوع في مصادر الدخل , تقليص الاعتماد على الأسواق الخارجية , توفير فرص العمل للمواطنين , تجنب الاضطرابات الاقتصادية خارج حدود البلد , الاكتفاء الذاتي من السلع المنتجة , تحسن ميزان المدفوعات , تشجيع المنافسة المحلية , تقليص التضخم المالي , التطور الصناعي , زيادة الخبرات الإنتاجية والتسويقية , وحماية الثقافات والتقاليد الاجتماعية المحلية . عيوب برنامج "بدائل الاستيراد" كثيرة أيضا وتشمل اعتماد البلد المستمر على المواد الأولية الداخلة في الإنتاج , ارتفاع الأسعار , احتمالية تدهور انتاج القطاع الزراعي , نمو النزعة الاحتكارية عند المنتجين , مشكلة التعامل بالمثل , تدخل مباشر ومستمر من قبل الدولة , نمو البيروقراطية , وارتفاع في فوارق الدخول في البلد الواحد .

هل يبقى العراق مكتوف الايدي امام تحديات برنامج "بدائل الاستيراد" وهو يعاني من تضخم أعداد العاطلين عن العمل؟ الجواب هو لا , لان لكل برنامج جانبين منافع واضرار , وان تبني العراق برنامج "بدائل الاستيراد" وبشكل مدروس بدون شك ستكون منافعة اعلى من اضراره . ليس من الضروري ان يبدا العراق بصناعات الطائرات والدبابات ولا التكنلوجية البصرية او الضوئية لان هذه الصناعات تحتاج الى رأسمال ضخم وهو غير متوفر في العراق حاليا , وتحتاج الى خبرات وبحوث راقية وهي غير موجودة في العراق الان , وتحتاج الى سوق كبير وبرنامج تسويقي متقدم والذي هو بدوره غير موجود . المواطن العراقي يصرف حوالى 80% من دخله على المواد الاستهلاكية (المواد الغذائية , ادوية , وملابس) , وهي لا تتطلب تكنلوجية معقدة لصناعتها او خبرة معقدة او رأسمال كبير . تأسيس مزرعة لإنتاج البيض لا يحتاج رأسمال أكثر من مليون دولار ولا يحتاج دراسات ومكتب بحوث وتطوير لان هذه الصناعة أصبحت معروفة ولكن هناك سوق كبير لهذا الإنتاج سواء كان هذا المشروع ينتج انتاجه في النجف الاشرف او المثنى او كركوك. هذا الحديث ينطبق على كافة الإنتاج الزراعي مثل الخضرة والفاكهة وتربية الأغنام والبقر. ان انتاج العراق لسلته الغذائية سوف يوفر عليه ما لا يقل عن 20 مليار دولار سنويا , ولو افترضنا ان كل مليار دولار يحتاج الى 20 الف عامل , فان حاجة العراق من الايدي العاملة هي 400 الف عامل , وهو رقم يفوق عدد العاطلين عن العمل في العراق.

ولو ادخلنا الفائدة من انعاش الصناعات الاستهلاكية مع فائدة القطاع الزراعي في العراق (الملابس , الأحذية , الاثاث المنزلي , الزجاجيات ) فان الفائدة سوف تتضاعف ويعم الخير للجميع . هناك شروط لإنجاح هذا البرنامج سبق وان ذكرت بعضها في مقالات سابقة وهي , وفرة البنى التحتية ( الطاقة الكهربائية , الطرق والجسور حديثة , ماء صالح للشرب , مدارس ومستشفيات , مجاري ...) , استقرار امني وسياسي , ووقف الفساد الإداري والمالي . الإجراءات القانونية لتأسيس مشروع صناعي برأسمال مليونين دولار يجب ان لا يأخذ اكثر من يوم ,لا شهر ووساطات و رشاوى , ووصول بضاعة من الخارج الى الموانئ العراقية يجب ان لا تبقى نائمة في مخازن الموانئ (ان كان هناك مخازن حديثة ) اكثر من ثلاث أيام .

نعم انا في اتفاق تام مع الدكتور عادل عبد المهدي ان الاقتصاد العراقي لم يعد اقتصاد أيام زمان حيث كانت خزائن وزارة المالية لا تكفي لخزن الإيرادات النفطية و الحكومات تطرد المستثمر الوطني والاجنبي. الوقت يتطلب استعمال كل دولار بكفاءة عالية والوقت يتطلب الاعتراف بفعالية القطاع الخاص , القطاع الذي وحده يستطيع انقاذ الاقتصاد العراقي خاصة اذا كان هناك من يراقبه .