مشكلة اوباما |
روى لي صديقي عبد المنعم الخطيب٬ الدبلوماسي العراقي السابق٬ أنه عندما كان يعمل في ديوان وزارة الخارجية زارهم السفير الإيراني قلًقا مضطرًبا. كانت العلاقات مع إيران متوترة كالعادة٬ وفكرت الحكومة العراقية في أن من المصلحة تعيين شيعي من نسب نجفي معروف سفيًرا لها في طهران. قالوا: «هذا الرجل سيلطم معهم في يوم عاشوراء٬ ويصوم رمضان ثلاثين يوًما٬ وقد يتزوج بواحدة من نسائهم٬ ولا تمضي بضعة أيام حتى يحل لنا كل مشكلاتنا معهم». مضت الأيام٬ وها هو السفير الإيراني يطرق أبواب وزارة الخارجية ليتوسل بهذا المطلب البسيط. قال: «لخاطر الله خذوا هذا السفير الشيعي من أمامنا٬ وابعثوا لنا ببديل سني واثق بنفسه لنستطيع أن نتفاهم معه». ما حدث هو أن ذلك السفير الشيعي كان يحاول إثبات مدى وطنيته وقوة ولائه لحكومة نوري السعيد والنظام الملكي٬ وعدم تأثره بانتمائه الطائفي في تعامله مع الإيرانيين٬ فراح يعاكسهم في كل شيء حتى أصبح قذى في عيونهم. ذكرتني الحكاية بهذا الفشل والتردد الذي ظل يصاحب سياسة الرئيس باراك أوباما. لقد هلل العالم لفوزه في الانتخابات.. فانتخاب رجل أسود من أصول أفريقية وخلفية إسلامية في بلد اشتهر بالعنصرية٬ كان قمة من قمم التحرر والتقدم. تأملنا من جانبنا أن يحل المسألة الفلسطينية ويحقق للفلسطينيين مطالبهم.. عين بالفعل السيناتور ميتشل ليتولى هذا الموضوع. لم تمض غير أسابيع قليلة حتى استقال الرجل من هذه المهمة أمام التعنت الإسرائيلي وعدم حصوله على أي دعم من رئيسه. نفض أوباما يده من فلسطين٬ لماذا بهذه السهولة؟ لأنه شعر بأن اللوبي اليهودي سيلقي عليه شتى المشكلات.. سيبثون «التهمة» بأنه في الواقع مسلم متنكر.. تنهمك وسائل الإعلام في سرد علاقاته بالعالم الإسلامي وكينيا٬ كيف ولد لأب مسلم وتربى على يد مربية إندونيسية مسلمة٬ وتتلمذ في مدارس جاكرتا٬ وتمضي الصحف الصفراء في نشر صور له خارًجا من مسجد واشنطن ومختلًيا بامرأة مسلمة.. لن يترددوا في خلق أي فضائح عنه وعن زوجته٬ على الطريقة الأميركية. وماذا عن تردده وفشله في سوريا؟ لماذا امتنع عن التدخل الحاسم للمشكلة؟ لا بد أنه تذكر ما يقوله الأميركان عن السود والأفارقة. أي كارثة أو نكسة تحل بقواته سيعزونها لمزاجه وخلفيته الأفريقية.. السود دائًما متهورون.. سيقول خصومه: لا يفكرون أو يتأملون! دائما ينساقون بعواطفهم ولا يراجعون عقلهم.. طائشون ومتخلفون في التفكير وسذج في السلوك! لا بد لهذه المخاوف أن تكون قد ساهمت في تردده وفشله٬ فأراد أن يثبت العكس٬ فوقع في عكس ما أراد. أراد أن يظهر لهم أن الرجل الأسود لا يقل حرًصا وولاء لأميركا عن الرجل الأبيض٬ ولا أقل منهم اتزاًنا وتروًيا٬ فلم يعد لنا غير أن نقول لهم: «هاتونا أيها الأميركان برجل أبيض كالثلج وعينين زرقاوين بلون السماء٬ وحسب ونسب يمتد لجورج واشنطن ونصارى البيورتان الأول٬ رجل من طراز جورج بوش.. رجل واثق في نفسه غير آبه لحماقته وطيشه وما قد يتهمه به القاصي والداني من سود وبيض٬ لنستطيع أن نتعامل معه»
|