اخطر مايصيبنا من امراض مرعبة وقاتلة هو مرض الخوف , الخوف من الغد ’ من التغيير , من الفشل , من الموت , والخوف من الاخر , لاسيما عندما يتحول خوفنا الى داء يهمين علينا ويشل حياتنا بل ويحولها في احيان كثيرة الى جحيم مطبق !! في الموروث العراقي مثلا تتردد كلمة الخوف في كثير من احاديثنا حتى تلك التي لادخل لها بالخوف!! خاف ماشوفك بعد , خاف ماانجح بالامتحان ! خاف اجذب عليه , خاف مانلحكَـ , وتستمر المخاوف التي تحيط بنا من كل جانب كانها اشباح الموت والفناء , وكما هي عجائزنا تخاف من حدوث المصائب بعد كل جلسة سمر وضحك بين الاهل , فتقول , ياربي دخيلك ضحك خير ان شاء الله!!.
في احدى دوائر الدولة كنت انتظر دوري في طابور طويل جدا ومتورم قرب شباك الموظف كما هي حال اغلب دوائرنا , التفت احدهم الي وهو يكشف عن اسنان صفراء ومائلة بعض الشي بعد حديث قصير عن المستمسكات المطلوبة , ماذا لو حصلنا على شهادة الجنسية وسقطت هذه الحكومة!؟ تسائل وهو يبتسم ببلاهة واضحة !! فسألته , وماهي الحكومة المنتظرة في رأيك ؟ شمدريني .... قالها وهو يمط شفتيه ويدير ظهره لي تجنباً لاكمال الحوار..! هذا الرجل الذي سمعته قبل قليل يتفاخر بعراقة عائلته ومستواها الرفيع , ابدى من الحماقة والاهتزاز والخوف من استمرار الحال الشئ الكثير , مع ان الوثائق الشخصية لادخل لها بنوع الحكومة لكنه بفكره البدوي رغم ارتداءه بدله لايمكن تخمين لونها الحقيقي لقدمها, يفكر بان هذه التغيير لايمكن بقاءه, ولكن لماذا يفكر هذا المتفاخر بان هذه الحكومة سوف تسقط يوما ما!! انه الخوف الذي نجح البعثيون في زرعه في قلوب الناس على مدى اربعة عقود , وربما هذا الانتصار الوحيد الذي حققه البعث طوال فترة حكمه القمعي.
ربما يهون الامر عندما يقتصر الخوف والتردد على الافراد او حتى الجماعات الصغيرة طالما الخط العام يتجه لترسيخ اسس الدولة وعبور مراحل متقدمة , لكن الطامة الكبرى ان يتسرب هذا الخوف لقلوب ونفوس يفترض ان الحياة اعتركتها ومنحتها صلابة وقوة اكبر من الجميع , فالكثير من ساسة اليوم هم من معارضي النظام في السابق , ويفترض انهم وقفوا ضد النظام القمعي لسنين طويلة , لكن الكارثة ان نجد منهم من يتطير خوفاً ورعباً من اتخاذ موقف شجاع حيال القضايا المصيرية , فقد حدثني احد الطيور الشابة عن كوارث تحدث في دوائر الدولة المهمة , وخوف بعض المسؤولين من تقديم ملفات ساخنة وخطيرة تهم امن المواطن وحياته ضد شخصيات معروفة في الدولة , والبقاء عليها في ادراج مكاتبهم مجمدة!! ليس لغرض استخدامها كسلاح ابتزاز او اظهارها في الاوقات المناسبة , وانما تركها خوفاً من الاسماء المذكورة فيها وماوراهم من شخصيات سياسية وجهات طائفية متنفذة , بحجة امكانية خلق ازمة كما حدث في قضية الهاشمي والعيساوي من بعده والتي ماتزال دفوفها تضرب على انغام العزف الطائفي المنفرد .
والادهى من ذلك ان هذا المشلول او المسؤول لافرق , يقول دون ادنى حرج او خجل من دماء الابرياء التي تسفك ومازالت , اذا سقطت الحكومة من سينفعني ان انا اعلنتها حرباً ضد هؤلاء!؟ اتخاف ياسيدي على حياتك ؟ ولاتخاف على حياة المواطنين الابرياء ولايقض مضجعك اعداد الضحايا الذين يتناثرون يوميا بقنابل الحقد الطائفي الوهابي والبعثي ...تباً لك من مسؤول يضطلع بمهام جسام لايقوى على حملها , وتباً لحضنا العاثر الذي اهدانا اياك في هذه الظروف التعيسة!! فمن اجبرك على التصدي لهذه المهمة الخطيرة ان كنت خائفاً وجباناً لهذه الدرجة!!.
اذن كلها ترجو النجاة وكلها لاتريد ان تغضب فلان وعلان, لان اغضابهم سيحرق البلاد, وهل بلادنا تنعم بالامن والسلام ؟ حتى تخافون من الازمات والارهاب !! وعلى ماذا تراهنون ؟ ان يمنحكم العدو مثلا فرصة للعيش!! وربما يرق قلبه الرحيم لمواقفكم التخاذلية بذريعة اطفاء الحرائق اولمنحه فرصة ذبح الابرياء بحرية كاملة , الا بئس القوم انتم , وبئس القادة المتخاذلين والخونة, هل حقاً انكم قارعتم النظام البعثي؟ وانتم من حملتهم السلاح في وجهه!! اشك في ذلك , فمواقفكم لاتوحي باي شجاعة تذكر , فقد اخزيتمونا اخزاكم الله !!.
ان مايدفع السياسي لجمع الاموال بنهم واضح وسرقة قوت الشعب بهذه الطريقة المخزيه طوال فترة تسنمه لمناصب مهمة في الدولة وهو يرى بعينه حياة المواطن الشاقة والبائسة , ومايجعل السياسي يحتفظ بجنسية الدولة التي كان يعيش فيها, حتى يفر اليها عند الضرورة , ومايدفعه للتغاضي عن انتهاكات حقوق الانسان والعبث بمقدارته وحياته من قبل جهات ارهابية معينة, ومايجبره في احيان كثيرة على دعم هذه الجهة او تلك رغم وضوح مواقفها الخيانية والتآمرية, بحجة وحدة الوطن وسلامته! هو شئ واحد , انه الخوف بكل انواعه واشكاله ومبرراته!.
|