حكم القانون ليست الشعارات، وانما الممارسات العملية ؛ التى يمارسها الانسان فى حياته اليومية، كحصول على حقه، ولا يعتدى عليه احد، ولا يظلمه احد، ولا يهدر كرامته احد، ولا يتم التمييز ضده، ولا يكون ضحية للفساد والمحسوبية والمنسوبية، أي حصوله على إستحقاقه الذي يحدده القانون. لذا في زمن الانفتاح والمنافسة المشروعة، أصبح هذا المفهوم شديد التداول وطنيا ودوليا. سيادة القانون تعني أن كل مواطن يخضع للقانون، بما في ذلك صانعو القانون أنفسهم، وأنه لا أحد فوق القانون، وهذا كله صحيح مع إدراك وتحقيق مفهوم القانون النابع عن إرادة مشتركة تراعي مصالح جميع مكونات المجتمع بصورة عادلة أو مقبولة. فإضافة إلى اعتباره أسلوبا لصنع السياسة على أساس القواعد الأساسية المألوفة في الديمقراطيات الحديثة، مثل سيادة القانون، التعددية السياسية والاجتماعية، والتسامح، والتعبير الحر، وحريات وحقوق المواطنة،... فهو عنوان لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح السياسي والاجتماعي ككل، مثل اعتماد المحاسبة في مواجهة السلطات العامة، والمطالبة بتوفير مظاهر الشفافية في مؤسسات صنع القرار، وتقييم نوعية الحكم من زاوية الالتزام بالبرامج وسيادة القانون وقدرته على تعزيز الفرص والميل إلى المشاركة، واحترام حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، وضمان المساواة في تكافؤ الفرص. فإن أهلية الحكم الديمقراطي العادل تبقى مرهونة بمدى توفر هذه المحددات مجتمعة وبصورة عملية وليس كنصوص جامدة في الدستور أو في القوانين الجاري العمل بها وتنتظر التفعيل. المطلوب هو أن تكون هذه المحددات فاعلة في الواقعين القانوني والسياسي من خلال توضيح علاقة السلطة السياسية بالقانون، وضمان الفعالية القانونية للمؤسسات التشريعية، والتنفيذية، وتقوية النظام القضائي وتعزيز استقلاليته كسلطة دستورية، وتمكين الصحافة من لعب أدوارها كسلطة رابعة، لإنجاح عملية الإصلاح، يجب أن تستند علاقة السلطة بالقانون إلى مبدأ سيادة القانون القابل للتفعيل والتطبيق وليس سيادة السلطة على حساب القانون. سمو القانون بوصفه نظام يتضمن قواعد ملزمة، ووسيلة لضمان الأمن والعدالة، وتجنب الممارسات الإعتباطية للسلطة. لذلك ينبغي أن تكون القواعد واضحة وملزمة للجميع. وينبغي التصدي لخطر ظهور سلطة تنفيذية مهيمنة تسيء استخدام القانون من خلال استخدام مجموعة من الضوابط والتوازنات، خاصة النظام القضائي المستقل، والحدود الموضوعية، واحترام حقوق الإنسان على وجه التحديد. ينبغي أن يكون الإلتزام بالإصلاح القانوني الجدي شرطا لأي تحول سياسي ديمقراطي ولأي انتخابات ذات مصداقية تتطلب بيئة مواتية يكون فيها لعملية الإصلاح القانوني بعض الأثر. عندما ينطلق هذا الإنتقال، ينبغي إنشاء هيئة (مع ضمان استقلال أعضائها) لإجراء مراجعة شاملة واقتراح إصلاحات مفصلة . وحكم القانون هو اساس بناء المجتمعات والدول، فالنظام الاجتماعى يبدأ عندما يكون هناك قانون تشريعي، او عرفي؛ يخضع له الجميع، الغنى والفقير، القوى والضعيف، الحاكم والمحكوم أي بناء نظام قضائي عادل.
قامت الثورات في أوروبا في الأزمنة الحديثة لإسقاط الاستبداد، وإقامة أنظمة أكثر إنسانيةً وعدالة؛ وأكثر تمثيلا. وقد تلاقى على ذلك تياران في الفكر والعمل السياسي: تيار فصل السلطات؛ وتيار الاقتراع العام. ويرمي تيار الفصل بين السلطات إلى الحدّ من تعدي السلطة التنفيذية على المجتمع وقواه، والسلطة القضائية. ثم تجاوزت الثورة الفرنسية النزوع الإصلاحي والتدرجي لتقييد سلطة الحاكم إلى قول وممارسة (سلطة الشعب) عن طريق الاقتراع العام، وتضمَّن ذلك تقدما على مسار الفردية باعتبار أنّ لكل مواطنٍ صوتا. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تقدم بوضوحٍ مبدأ الفصل بين السلطات، وإحداث توازُنٍ دقيقٍ ليس بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية للبرلمانات بمجلسيها فقط (بحسب الأنظمة رئاسية أو برلمانية)، بل وبين سلطة التشريع والسلطة القضائية. ثم تقدمت استقلالية القضاء أكثر رغم صعود قوة البرلمان عندما صار القضاء يمارس سلطةً رقابيةً على السلطتين الأخرتين لصالح المواطن، من خلال المحاكم الإدارية العليا، والمحاكم أو المجالس الدستورية. وتأتي قوة المؤسسة القضائية من ولايتها على إنفاذ القوانين، أي أنها مؤسسةُ إحقاق الحقّ، وإقرار العدالة. وعندما كانت القوانين والتشريعات ذات صبغةٍ دينيةٍ، كان معنى تجاوزها أو الاعتداء عليها اعتداء على حقّ الله، وعندما صارت مدنية، صار معنى الاعتداء عليها الانتهاك للحقوق الطبيعية المجبولة في طبيعة الإنسان .
من خلال الواقع القانوني، يمكن تقسيم سلطات الدولة إلى ثلاث سلطات رئيسة هي التشريعية والتنفيذية والقضائية وتقوم العلاقة بين السلطات الثلاث على أساس التعاون ومبدأ الفصل بينهما وعدم التداخل والتقاطع في أعمال هذه السلطات مع بعضها البعض مما يترك مساحة واسعة من التطورات القانونية لتأخذ نصيبها من خلال العمل المستقل بدون تأثير سياسي أو اقتصادي ، ومن خلال القراءة ألاولية لعمل هذه السلطات نجد أن السلطة ألاولى في الدولة وهي السلطة التشريعية تتمتع بدور فاعل وأساسي في عملية صنع القرار السياسي وعملية البناء القانوني للتشريع ووضع الدستور أحيانا ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية وصولا إلى إجراءات المسائلة والاستجواب وحل الوزارة أذا لزم ألامر ووفق الصيغ الدستورية. ان العلاقة بين السلطات يحكمها الدستور النافذ في الدولة سواء كانت دولة تطبق القانون ام لا ، لذلك فان المرجع الحقيقي في تطبيق هذه العلاقة وبيان أساس الترابط والتقارب بينها وبين السلطات الاخرى هي الدستور ، وهذا يعني أن العلاقة بين السلطات هي أمر نسبي يختلف من دولة إلى أخرى ومن نظام إلى أخر في الدولة الواحدة حسب التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والايدولوجية داخل الدولة ولكنها تبقي الدستور أساسا لاي علاقة تحكم السلطات وتنظمه من اجل تطبيق القانون بصورة أفضل حتى يمكن أن يكون للحكم العادل الديمقراطي الحقيقي النصيب الأكبر في تحقيق ثوابته ومحدداته استنادا إلى تلك العلاقة. حكم القانون واحترام حقوق الانسان من أهم عوامل التغيير الأساسي، فإذا لم يتمتع الناس بحقوقهم وكرامتهم الانسانية لن ينشطوا في المساهمة في بناء بلادهم. كذلك فإن المجتمع الذي يسوده الكبت والعنف لن يحقق تغييراً أساسياً. المقهورون والمقموعون لن يشاركوا في شيء يتعلق ببلادهم بنشاط. فمع مرور الوقت، اثبت الدستور الامريكي انه ميال للغاية نحو التكيف مع سياسات الجماعة التوزيعية، ومع الليبرالية الامريكية الحديثة المتسمة بالنفاق، والمبالغة بالنصوص القانونية، والتدخل فيما لا يعنيها، مبتعدا عن حماية الملكية حسب مذهب جون لوك الذي استلهم نصوصه منه. تمثل الدساتير ركيزة لأي نظام قانوني؛ وبالتالي فعدم احترام الدساتير يعكس عدم الاعتبار الواسع لحكم القانون وعدم إحترامه. ويكون الدستور موقعاً مهماً للتعبير عن رؤى ومبادئ وطرائق حكم القانون . ولا يقتصر هذا التعبير على إدارة العدالة، وإنما يشمل أيضاً عملية تشريع القانون، بما في ذلك مسائل مثل صلاحيات الرئيس، والفيدرالية والحكم المحلي، فضلا عن وضعية ودور وصلاحيات المؤسسات المختلفة. و عملية مراجعة الدستور فرصة مهمة لمناقشة طيف من المسائل الدستورية وقياس تفضيلات الرأي العام بشأن كيفية معالجة المسائل الأساسية المتعلقة بطبيعة الدولة والنظام القانوني. و عملية المراجعة ينبغي ان تحظى بالشمول الكافي و تجري في ظروف تتيح الحرية الكاملة للنقاش (مثل حرية الإعلام، وحرية التجمع والحرية من الاعتقال التعسفي و سوء المعاملة ). وينبغي ان يسير الإصلاح الدستوري جنباً إلى جنب مع الإصلاح المؤسسي؛ فالاتفاق على المعايير “الموضوعية” للدستور لا تكفي لضمان الحماية الفعالة للحقوق المدنية والسياسية.
حددت الهيئات الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان عددا من أوجه القصور في القانون وعملية صنع القانون، ومع ذلك تجاهلت بعض الانظمة إلى حد كبير تلك التوصيات، عدا التوصيات التي تراها الحكومات مستساغة سياسيا (الأشخاص ذوي الإعاقة، والأطفال، والاتجار بالبشر). وواحد من المجالات التي تستحق الاستكشاف هي مسألة الحاجة إلى حشد الدعم من طائفة واسعة من الدول لكي تدفع بإتجاه التوصية بالاصلاحات ومتابعتها. ولا عجب أن يحتل القانون والقانونيون مساحة واسعة فيما يدور من نقاشات، فقد برز من بين المطالب التي رفعتها الانتفاضات الشعبية إرساء حكم القانون، وانطوى هذا المطلب على طيف من الأمور، مثل: استقلال القضاء، وترويض الأجهزة التنفيذية، ولجم صلاحيات المسؤولين التنفيذيين، وحماية الحريات والممتلكات من نظم حكم جعلت القانون وسيلة للبطش، أو لتعزيز مصالح المقربين أو كليهما. هذه المخالفات يقوم بها شخص يشغل منصب في السلطة أو أن القانون خوله صلاحيات للقيام بعمله لكنه يستغل صلاحياته بشكل غير قانوني ليس بهدف المصلحة الشخصية وإنما لمصلحة جمهور مؤيديه أو اتباع حزبه بحجة الدفاع عن أمن الدولة أو المصلحة العامة أو النظام العام .