الحسين في كربلاء : ح 1 (اقتباس) !


الحسين في كربلاء في عشرة حلقات، انشرها بشكل يومي. متن المقال مقتبس بالنص من كتاب (شخصيات غير قلقة في الاسلام)، لمؤلفه المفكر العربي هادي العلوي.
اما الأضافات والتعليقات الهامشية فهي لكاتب السطور !

كربلاء، اسم موضع في العراق الاوسط، يقع على مسافة مئة كيلومترا من جنوب غرب بغداد. أصل الاسم آشوري، ويتألف من مقطعين : (كرب) ويعني قرب، و (لا) هو تحريف آرامي للفظة أيل، اي إله. فسيكون معناها (قرب الإله) !
ويشير اسم الموقع الى احتمال نزول آشوريين فيه، بدليل وجود قرية ضمن الموقع تسمى نينوى، نسبة الى العاصمة الاشورية الشهيرة التي تقع اطلالها في محافظة الموصل شمال العراق. ويتردد اسم نينوى في بكائيات المسلمين الشيعة.
وللموضع اسمان آخران يترددان ايضا في المراثي الحسينية هما : الطف ويعني في اللغة ما اشرف من ارض العرب على ريف العراق. ويشير ذلك الى نقطة اتصال نهايات الهضبة العربية بسهل بلاد الرافدين. وهو موقع كربلاء الجغرافي. والاسم الاخر هو الغاضرية، وهذا الاسم ينسب الى غاضرة من بني اسد، كانوا يسكنون هناك. ولكربلا اسم آخر هو الحائر، وهو وصف لطوبوغرافية المدينة.
وكربلا مقصورة الالف، لكن معظم اللغويين يجعلونها مهموزة، والهمزة ليست من اصل الكلمة التي ينبغي ان تعامل معاملة الأسماء الأرامية الشائعة مثل : براثا ومعولا وصحنايا.

دخلت كربلا تاريخ الاسلام من وراء المعركة الدامية التي استشهد فيها الامام الثالث الحسين بن على بن ابي طالب (ع) وحوالي المئة من اهله واصحابه في بداية عام 61 للهجرة في معركة غير متكافئة مع جيش بني أميًة.
والحسين هو الابن الثاني لخليفة المسلمين، الأمام علي بن ابي طالب من فاطمة الزهراء (س). واسمه مصغر لاسم اخيه الامام الحسن (ع)، وهما من الاسماء المستحدثة في الاسلام. فانهما تعريب لأسمي ولدي هارون من موسى، اي ان الاسمين الحسن والحسين، كوزن شبّر وشبير.
وفي هذا السياق يصف الشاعر رضا الهندي الامام علي قوله :

إن كنت لجهلك بالايام * * جحدت مقام ابي شبّر

فأسأل بدرا وأسأل احدا * * وسل الاحزاب وسل خيبرا

والغرض من الحكاية وضع العلاقة بين الامام علي (ع) والنبي محمد (ص)
في مستواها، كما هي الحال بين هارون وموسى.
ورغم نشأة الحسن والحسين في بيئة واحدة وخضوعهما لتربية أسرية واحدة فقد اختلف الحسنيين عن بعضهما كثيرا.

كان الحسين اكثر حزما وجدا واميل الى التحدي، ولم يفرط في الزهد، ولو ان معيشته كانت اقل ترفا من اخيه الحسن (ع). وكذلك كان اقل ولعا بالنساء. واتسمت حياته الزوجية بالهدوء والاستقرار. وقد تزوج اربع نساء على العادة المتبعة في ذلك الزمان ولم يُرزق منهن اولادُ كثيرون. ولم يدفعه ذلك الى تطليقهن لتكثير اولاده. وكانت علاقته بهن متساوية، اذ يبدو انهن كن متكافئات في الجمال وسمو الشخصية.
كانت (شهربانو) من ضمنهن، وهي احدى أميرات البلاط الساساني، بنت كسرى يزدجرد، ملك الفرس في طيسفون، (المدائن). المعروفة بسلمان باك، جلبها الفتح الاسلامي ضمن سبايا معركة القادسية الى الجزيرة العربية، زمن عمر بن الخطاب.
وقد توفيت السيدة شهربانو في الخامس من شعبان سنة 38 للهجرة في المدينة المنورة وهي في نفاسها بعد ولادتها للامام زين العابدين (ع)، ومن صلبه كان بقية أئمة المسلمين الشيعة.

اما سياسيا، فقد ساير الحسين (ع) والده في شتى الادوار بدون تحسب، وفي معارك صفين كان الحسين اشد اندفاعا من اخيه الحسن (ع)، خاصة عند احتدام القتال.
وبعد ان قُتل الامام علي بن ابي طالب (ع) غيلة في مسجد الكوفة اثناء الصلاة، انتقلت الخلافة شرعيا الى ابنه الحسن، وبقى فيها لأكثر من ستة اشهر، حينها بدأ معاوية يمارس ضغوطه العنفية والنفسية الملحاحة على الامام لتجبره على التنازل عن الخلافة الشرعية لصالحه. ومن جهة اخرى فكر الحسن ان تمسكه بحق الخلافة ومخاصمة معاوية سيؤدي الى سفك دماء المسلمين دون جدوى، ولهذا السبب اضطر الحسن ان يرضخ للواقع المرْ، متحمًلا تداعياته بصبر واناة. لكن معارضة اخيه الحسين بموقفه السياسي الصلب، كانت معارضة شديدة ومستدامة، مما اضطر الحسن اخيرا الى تهديد اخيه الحسين بالاعتقال، حتى الانتهاء من التوقيع على عقد التنازل عن الخلافة الاسلامية الشرعية الى الغاصب المتجبر معاوية.

وفي المدة ما بين التنازل عن الخلافة ووفاة الامام الحسن كان الحسين ينفرد بأجهار معارضته لسياسة معاوية. واستمر على ذلك حتى وفاة الاخير. فصار الحسين الشخصية الابرز في زعامة بني هاشم والشيعة عموما بعد وفاة اخيه الحسن، وليس من شك في ان الحسين كان على صلة مباشرة بالنشاط السري للشيعة في العراق. ولم يكن في الهاشميين بمن فيهم اخوته معارض علني لسياسة بني أمية سواه. وللحسين خطبة، تعكس وجهة نظره في الصراع الدائر بينه وبين سلطة بني أمية، القاها في موسم الحج بمكة، التي كانت تشهد نشاطات متنوعة للمعارضة، يحضرها التجار ورجال الدين.

كان الحسين يومذاك يتسائل، كيف يستطيع ان يبني قواعد المجتمع الاسلامي المختطف من قبل معاوية، بالنضج والكمال، محاولا بلوغ العدالة الاجتماعية، هذه العدالة التي نادى بها جدًه النبي الكريم. كان الحسين معتقدا ان ذلك يرتبط بفضيلة هامة، ألا وهي سمو النفس وقوة البصيرة ونبل الأحساس . . .
ان الصفات أنفة الذكر، كانت بحد ذاتها دلالة واضحة على عظمة شخصية الحسين وعلو همتة في رعايته لأبناء مجتمعه، هذه الرعاية التي كانت تفضي على مقربيه غبطة الحضور. فقد كان الحسين حبيبا الى قلوب الناس، يذكرهم سيمائه ببهاء طلعة جده رسول الله، لكن الامور لم تكن تسيرعلى النمط الذي كان الحسين يتمناه، طالما كان الامويون في ادارتهم لشؤون الدولة، لا زالوا متمسكين بقيم الجاهلية وعاداتها، هذه الجاهلية التي حاربها الاسلام منذ البداية.

ان اهتمام إمامنا الحسين بالقضايا المعيشية للناس، خاصة طبقة الفقراء منهم، كان يتجلًى في كفاحه، للتخفيف من معاناتهم الاقتصادية، إذ وُجد على ظهره الشريف، ساعة استشهاده يوم عاشوراء أثار واضحة، دلُت انه كان في حياته ينقل جراب الماء الى منازل المحتاجين.

كان الحسين ببداهة عقله، وتنوع معارفه، وغزارة علمه، يعرف كل شيء ويلم بكل شيء، فضلا عن قدرته الفائقة على الاقدام، واستعداده التام للتضحية على كل المستويات، في سبيل تحقيق اهدافه الدينية ومبادئه الاخلاقية العالية !

لقد تحدث الحسين في خطبته التي وجهها الى معاوية، عن مظالم حكام بني أميًة، متهما اياهم بأستعباد وقهر العباد واغتصاب حقوقهم المعاشية.
والعبارات التالية احدى مقاطعها :
(اسلمتم الضعفاء في ايديهم، فمن بين مستعبد مقهور ومستضعف مغلوب على معيشته (

وقد بدا الحسين وهو يستعرض هذه المظالم، مستعدا للمجاهرة بالعصيان لحكم بني أميًة، لو كان له ما يكفي من الانصار المخلصين، خاصة بعد ان خذل اهل العراق والده الامام علي بن ابي طالب اثناء خلافته للأمة الاسلامية في الكوفة، وقد ظهر هذا الخذلان جليا اثناء معركة صفين، فلو كان الامر على عكس ذلك، لربما فكر الحسين بطريقة اخرى !

لقد فرض معاوية على الامام الحسن، المعاهدة التالية تحت التهديد، هذا نصها :
1- يمارس معاويه الخلافة الاسلامية طبقا لاحكام الدين الاسلامي.
2- يعود الامام الحسن بعد موت معاويه، خليفة للمسلمين.
3- يعامل معاوية جميع طبقات الرعية بالرفق والاحسان.

لكن الذي حدث بعد تنازل الامام الحسن عن الخلافة، ان معاويه خان العهد ونكث الوعد وقام بخرق الشرعية في تنصيب ابنه يزيد خليفة من بعده، رغم انف المسلمين .
كما شن حملة شعواء على العلويين اتباع الامام علي بن ابي طالب, فكان يلاحقهم، يصلبهم على جذع النخيل. كذلك قام بأبعاد الموالي وهم المسلمون من غير العرب من مناصب الدولة وجعلها حصرا على الامويين فقط.

فهنا يبرز جوهر الصراع الاخلاقي بشكل واضح, ففي الوقت الذي يريد الامام الحسن (س) ان يحكم في الناس بالعدل، يريدها معاوية دكتاتورية سوداء. وفي الوقت الذي يعتبر الامام الحسن الخلافة الاسلامية مسؤولية دينية، يعتبرها معاويه غنيمة وامتياز. وبينما ينظر الامام الى ادارة الدولة كمبدأ في تطبيق الشريعة الاسلامية،
يتصرف معاوية بأسلوب انتهازي.
هذه بعضا من الخروقات الصارخة التي كان معظم خلفاء بني امية يمارسونها.

( نحن نستعيد ذكرى أبي عبد الله الحسين عايه السلام كل عام، لأنه رسًخ بشهادته، معاني العدل والحق والشرف، مدافعا عن مبادئ حقوق البشر، محاربا الظلم والطغيان، متحديا الانظمة الفاسدة، ولذا عُدً الحسين دوليا، من الرموز العالمية في هذا المجال ! )