صخور أمام أبواب ونوافذ العقول |
بعد الأزمة السياسية التي افتعلت قبل أكثر من ثلاثة أشهر في اقليم كوردستان من خلال عرض مشاريع قوانين عدة في يوم واحد أمام البرلمان، عجز عدد كبير من القنوات الاعلامية والنواب والسياسيين والكتاب عن قراءة الازمة بموضوعية وحيادية، وتحليلها بعيداً عن نطاق الصراعات السياسية والمنافع الحزبية، والبعض منهم وببساطة فشلوا الى درجات عالية في مخاطبة المجتمع الكوردستاني بلغة الحكمة والعقل، ولكنهم نجحوا، بتضليلاتهم وتصريحاتهم النارية وكتاباتهم المثيرة والمنافية للحقيقة، في تصعيد وتيرة القلق، تاركين للاتجاهات التقليدية حرية تشكيلها.
هؤلاء(السلبيين) كانوا مرتهنين للتخمينات والاستنتاجات البسيطة، التي تحظى بقبول ثلة منتفعة من الاوضاع المعقدة والخطرة، لذلك كانوا يروجون لبعض الاتجاهات بحفاوة وتأييد، ولاسيما التي كانت تدفع عنهم أصابع الاتهام، وفي الوقت ذاته كانوا يستبسلون في قذف التهم على الآخرين، والظهورعلى القنوات الفضائية وأمام المئات بل الآلاف من المرهقين والمساكين ليوجهوا اليهم خطابا ممزوجا بالخداع والغش عن حقوق الانسان والقانون والنظام، وكأن كل الحقوق والقوانين محفوظة ومصانة وتطبق بحذافيرها في ارجاء المعمورة عدا قانون رئاسة الاقليم..
بعضهم ونتيجة للجهالة وعدم الدراية لم يستطعوا إسقاط الحمل الذي عاش في أحشائهم فوجدوا في الازمة شهادة تبرئة لحراك منظم جديد قديم، لذلك باركوا سريعاً كل المقالات التي كتبت والمقولات التي أطلقت وتناقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي التي تضمنت النقد اللاذع والسخيف لمن يتهمونه، وحتى للحكومة التي هم شركاء فعليون فيها، وأيدوا اللغة التخوينية الفجة والأساليب الفضفاضة والفبركات التي كتبت بسماجة، كما التبست عندهم المفاهيم والعادات والتقاليد والقيم وإختلط لديهم العام بالخاص، وكانت النتيجة ثمرة عفنة لا يأكلها العاقل، ورائحة نتنة لا يقبلها الذوق، وتناسوا أو تجاهلوا النيران الملتهبة والمرتفعة في اطراف الاقليم الاربعة والحرب المستمرة مع داعش على طول جبهة تزيد عن الف كيلومتر، والازمات الناتجة جراء قطع ميزانية الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية، والتأثيرات الاقتصادية والخدمية لاحتضان اكثر من مليوني نازح ولاجىء وتوقف معظم المشاريع الاستثمارية والعمرانية والحالة النفسية السائدة بين الناس بشكل عام، كما تناسوا خطورة توجيه البلاد والعباد نحو الفوضى والانزلاق نحو الضفة التي يستفيد منها الاعداء.
في قراءة ودراسة سريعة لتلك الظاهرة نرى أن هؤلاء تأثروا بنتاج موروثات سلبية سابقة وعقد تاريخية وضغائن قديمة، وكذلك بسياسات مصالحية تغض الطرف عن الثقافات وغالبية العادات والتقاليد التي اكتسبناها، لذلك إتجهوا نحو التشنج بتصريحات ترهيبية ومقالات ركيكة مليئة بالتهم الخطيرة، وخلقوا التوتر بتوصيفات فجة خالية من التحليل، ورفضوا الدعوات العقلانية التي تصب في خانات الصالح العام بحملات تسقيطية ملأت ساحات الاعلام الاستقطابي المسيس، وبحملات التشكيك والتخويف والتحذير. وعندما إختلطت وتعقدت الأمور، إتجه المؤدلجون نحو استثمارها واتخاذها سلاحاً في وجه الخصوم، واستخدموا بعض الجمل والعبارات القاسية القريبة من الخيالات العتيقة للتدليس على الجميع، وإسقاط كل المشكلات على طرف معين وفق خطط مقصودة وبمرافعات طويلة ومناقشات وقحة، كما رشقوا كل الناقدين لهم بالمؤامرة والعمالة، وجافوا كل الحقائق لغايات ومآرب خاصة ومعلومة وبهدف إلهاء الشعب وتخديره وربما تنويمه الى أجل معين.
هؤلاء بحاجة الى ان يدحرجوا الصخور الموجودة امام أبواب ونوافذ عقولهم لكي لا تطلق عليهم ألقاب يخجلون من حملها، ولكي يفسحوا المجال أمام الخيرين لحل العقد بسلاسة وهدوء، والنظر إلى القضايا بموضوعية وعمق، وتسمية الاشياء بمسمياتها، والكشف عن الحقائق بوقائعها، وهم بحاجة الى الصحوة والاتعاض والعودة الى جادة الصواب، لأنهم الآن في غفوة...
|