موت الكرفك فوزي

فوزي كفاءة عراقية نادرة عاد بعد اطاحة صدام ، وهو يعتقد ان للوطن دينا كبيراً في عنقه وحان وقت سداده ، كل ما صادفه واسرته من عقبات لم تفت في عضده ولم تُخمِد نيران عزيمته . الصدود الذي قابله به رفاق النضال ضد الدكتاتورية لم يؤثر به وبهمته. هواتف الرفاق والمجاهدين اما تغيرت أرقامها او تغلق بوجهه ، لايهمه ذلك !.

فوزي صوفي العشق للعراق ولا يريد وسيطاً بينه وبين الوطن ، كلما كثرت عليه الهموم وزادت مشاكله يخرج بوقت مبكّر كي يّفرغ همومه ، بعدما تلامس أقدامه مياه دجله . يغازل دجله ويلقي بشحناته هناك ، ليعود فوزي جديد.

ازدادت زياراته لدجلة واعتقد بزياراته الاخيرة :ان دجلة ايضا أشاحت بوجهها المبتسم عنه ، ربما لانها لم تعد تحتمل همومه وشكواه هكذا ظن .

خارت قواه البدنية وبدأ اليأس والقنوط يحل شيئا فشيئا بدل العزيمة والاصرار ، بعدما نفد جميع ما جلبه معه من أموال ولم يفلح بتعيين جديد او العودة لوظيفته السابقة التي لا تتلائم مع مؤهلاته ، ولم يحصل على تقاعد لخدمته السابقة ، ولم تحتسب له فترة نضاله ، كخدمة جهادية اسوة بكل رفاق نضاله وجهاده من المعممين والافندية .

لأن فوزي رجل مبادئ وعنده قيّم ووطنيته عاليه لا يقبل بلغة الصفقات والرشاوى ، لذلك ظل دون تعيين او تقاعد ، و قرر العودة الى منفاه البارد ليحتفظ بذكرى جميلة عن وطن صباه ولو ان عودته للوطن كانت فاشلة بامتياز .

حسم امره ولم يبق أمامه الا بعض المعاملات واجبة الانجاز قبل سفره اهمها حصوله على جوزا سفر جديد ، كي يحتفظ به كذكرى عزيزة من وطن منهوب من حرامية وقحين، لم يملّوا يوماً من الحديث عن النزاهة ومحاربة الفساد .

في واحدة من دوائر العراق الكثيرة المليئة بالرشاوي والتجاوزات سلّم معاملته ، قالت له موظفة الإستعلامات انتظر ستنجز المعاملة وننادي باسمك .

بعد ساعات خرجت موظفة تحمل بيدها مجموعة كبيرة من المعاملات . كان فوزي قريبا منها، قالت الموظفة بعصبية: "موت الكرفك فوزي" انتفض فوزي صارخا بوجهها : "ليش هل الشتيمة مو عيب"، اجابته ببرود: "شوف هذا ، انته اشدخلك بالموضوع آني دا احجي وي زوجي بالتلفون ، لم يسمعها فوزي جيداً. أكملت: "روح فوزي آني إلك من ارجع" أجابها صديقنا فوزي : "بابا آني رايح وما ارجع بس انطيني معاملتي . اجابته بعد ان خلعت سماعة هاتف من احد اذنيها : "انته هواي لحيت دا أكَلك اني دا أحجي وي زوجي".

أجابها فوزي بابتسامة: "الف موت الكرفني ابدال فوزي زوجك ، بس انطيني معاملتي خلصيني خل اهج" .

عقد ونيف مر ومئات الكفاءات العراقية عادت للوطن ورجعت هاربة من جحيم الروتين ومرارة الواقع ، لم أر أو أسمع عن وطن يطرد كفاءاته مثل العراق وحكومات متعاقبة مهملة وفاشلة لا تعرف قيمة الكفاءات العراقية .

نستورد ممرضات من الهند براتب يفوق راتب الكثير من الاطباء .

موت الكرف كل من ساهم بطرد الكفاءات العراقية والوطنيين الأغيار، وكل من أوصل شبابنا لحافة اليأس كي يهجروا وطنهم وأهاليهم ويموت بعضهم في البحر وثلاجات المهربين وبيد العصابات .

شكرا لوزارة الخارجية لسرعة استجابتها لما ورد في مقالي الموسوم : "السيد وزير الخارجية قضية لا تحتمل التأجيل والمماطلة" وارسالهم جوازات عَودة لمئات العراقيين الذين كانوا ينتظرون تلك الجوازات في سفارة العراق بفنلندا ولم تحل مشكلتهم إلا بعد كتابة المقال بثلاثة ايام .

اقول شكرا وفي الفم غصة ، لأن الاجدر بوزارة الخارجية الرد على عشرات المخاطبات الرسمية والنداءات الهاتفية الصادرة من سفارة العراق بفنلندا وارسال الجوازات دون الحاجة لمقال يذكر الوزارة بواجباها تجاه العراقيين المغتربين .

اخيرا موت الكرف من ؟.

"اذا نسيت انك أسد فلن ينسوا إنهم كلاب "