من سوء حظ سجاد أن محل تصليح السيارات الذي اضطر أن يعمل به يقع قرب مدرسته المتوسطة السابقة، حيث يتجرّع الألم صباح كل يوم وهو يرى أصدقاءه الطلاب بملابسهم النظيفة وحقائبهم التي تزين ظهورهم، يتوجهون صوب مقاعد الدراسة بينما عليه فتح الورشة وتنظيف المكان وتحضير أدوات العمل وانتظار صاحب الورشة (عمه) الذي يصغر أباه بأعوام عدة والذي ما عاد قادراً على العمل بسبب حادث سير تعرض له، لذا اضطر سجاد وأخوه الأكبر كرار لإعالة عائلتهما الكبيرة إضافة الى إيجار البيت الذي يقطنوه.
الإنترنيت وكرة القدم
مدرس اللغة العربية في ثانوية السويس احمد كيطان يوضح في حديثه لـ(المدى): من أبرز المشاكل التي نعاني منها والتي تعد من الأسباب المهمة في تردي المستوى الدراسي وتسرُّب الطلبة انشغالهم بعالم شبكات التواصل الاجتماعي والانترنيت والألعاب الالكترونية التي دخلت كل بيت حيث أدت الى إهمال الدروس، الأمر الذي انعكس سلباً على مستوياتهم العلمية، مضيفا: وفي بعض الاحيان نجد أن الطلبة منشغلون بهذه القضايا حتى أثناء الدرس وعدم الاهتمام بموضوع الحصة المقررة. وأضاف كيطان: ان السبب الغالب لظاهرة انصراف الطلاب عن الدرس هو فقدان اهتمامهم بهذا الدرس وانعدام الدافع للتعليم مما يجعلهم يفضلون الاهتمام بأمور أخرى أكثر تحقيقاً لحاجاتهم سواء المعرفية أو النفسية أو غيرها باحثين عن النشاطات التي يعتقدون أنها أكثر جدوى وفائدة لهم، مؤكداً: تجدهم ينشغلون بأحاديث جانبية عن المباريات والأندية واللاعبين خاصة مباراة ريال مدريد وبرشلونة، داعياً: أولياء الأمور الى مساعدة الهيئات التدرسية من خلال متابعة أداء الطالب اليومي وزيارة المدرسة للوقوف على الواقع الفعلي والعلمي للطالب في بداية العام الدراسي لكي يتم احتواء الطالب من خلال البيت والمدرسة حتى نحقق هدف النجاح والتفوق وهذا هو طموح العائلة والمدرسة معاً.
العطل الرسمية وغير الرسمية
وبشأن مصاعب الدراسة والإدارات وما تعانيه، ذكرت إيمان صادق عبدالله مدرِّسة اللغة الانكليزية في إحدى مدارس تربية الرصافة الاولى لـ(المدى) أن مشاكل الهيئات التدريسية في عموم البلاد معروفة ومحددة منها متابعة الطالب وكيفية التأكد من مواظبته على الدراسة، وهذا يتم ما بين إدارة المدرسة والأسرة، مبينة : ان المشكلة الثانية هي عدم انتظام الدوام الرسمي في كل عام دراسي بسبب العطل الرسمية والدينية التي تركت آثاراً سلبية على واقع الدراسة ومستوى الطالب!
وأشارت عبدالله: هناك محافظات تشكو من عدم إكمال المناهج التعليمية وحسب ما مقرر في الجداول التربوية، لافتة الى ان العطل لا تؤثر في الطالب والمنهاج الدراسي فقط ، بل حتى في نفسية الطالب الأمر الذي يجعله يفقد الشعور بالمسوؤلية ويترك الدراسة في آخر المطاف بعدئذ.
المتابعة وانتظام الدوام
مدير المكتب الاعلامي فى وزارة التربية ابراهيم سبتي بين في تصريح لـ(المدى) أن الوزارة تسعي الى ان تكون هناك نسب عالية من النجاح لجميع المراحل وهذا يتم من خلال توفير البيئة السليمة للعملية التربوية. مشددا: ان التزام الطلبة بالدوام الرسمي ومتابعة الجدول اليومي هو من اولويات العمل فقد شكلت كل مديرية مشرفين لهذا الغرض يتم من خلالهم متابعة انتظام الطلبة بالدوام والالتزام بالمنهج المقرر.
واضاف سبتي:ان وجود شبكة تواصل مابين ادارة المدرسة واولياء امور الطلبة خصوصاً في مرحلة المتوسطة والاعدادية للطلبة يمكن ان يشخص الكثير من الحالات خاصة ظاهرة التسيب من الدوام الذي يهدد الطالب ويضعف مستواه العلمي والدراسي. مشيرا الى وجود اهمال واضح لبعض الاسر وعدم سيطرتهم على ابنائهم من خلال المواضبة على الدوام ومتابعة الجدول التحضيري اليومي للدروس. داعيا: الى تظافر الجهود مابين ادارات المدارس واسر الطلاب لغرض تذليل جميع المعوقات التى تواجة الطالب وتحقيق النجاح الذي يعود بالفائدة على الجميع.كما أوضح سبتي: ان نسب تسرب التلاميذ من المدارس الابتدائية بدأت بالتراجع خلال العام الدراسي (2013ــ 2014) لتقل بشكل اكبر خلال العام الماضي، الذي أرجعه الى حملات التوعية بالتنسيق مع المجالس المحلية والبلدية خلال العطل الصيفية الماضية. أصدقاء السوء
عدي عبد الكريم موظف حكومي أب لثلاثة اولاد تحدث لـ(المدى) عن معاناته الكبيرة بسبب عدم التزام الاولاد بالدوام اليومي، مشيرا الى اسباب ذلك منها عدم وجود كادر تدريسي وعدم وجود جدول دروس اسبوعي ثابت يتم الالتزام به. منوها: الى وجود تغيير واضح في سلوكيات الأولاد نتيجة الاختلاط مع بعض اصدقاء السوء في المدرسة مما أثر سلبا على تصرفاتهم حتى داخل البيت.وبشأن اختيار البعض من اولياء الامور للمدارس الاهلية اوضح عبد الكريم: أن سبب اختيار المدرسة الأهلية يعود إلى تدني المستوى التعليمي التدريسي وضعف الكفاءة التدريسية بنحو ملحوظ في المدارس الحكومية الامر الذي ينعكس سلبا على المستوى التحصيلي للطلبة. موضحا: ان خيار المدارس الأهلية افضل من اللجوء إلى التدريس الخصوصي.
في حين يري التدريسي باسم دلف أن نجاح تجربة المدارس الاهلية يعود لوجود بيئة مدرسية سليمة وإعداد مثالي للطلاب في كل فصل دراسي. مشددا: ان المدارس الاهلية يمكن أن تشكل بديلا جيدا عن التعليم الحكومي الرسمي الذي يواجه مصاعب في توفير الابنية المناسبة ويشهد زخماً في عدد الطلاب. تشجيع الطلبة وتكريمهم
راجي عبد الستار مدرس متقاعد يقول لـ(المدى) أن الوضع العام في البلاد والمشاكل في مجمل الحياة السياسية والامنية والاقتصادية أثرت بشكل واضح على العملية التربوية. مبيناً أن اهم الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تدني مستوى التربية والتعليم لدينا عدم احترام عامل الوقت وذلك بهدر آلاف الساعات الدراسة بسبب كمِّ المناسبات السياسية والدينية والوطنية المختلفة، يضاف الى ذلك قلة المتابعة من قبل المشرفين الاختصاصيين واهتمامهم الزائد بالأمور الإدارية وترك طرق التدريس.
واضاف عبد الستار: كذلك استعمال أسلوب الترهيب والتجريح وإهمال دور الطالب في العملية. مشددا: على اهمية مجالس الأباء في الحد من ظاهرة تسرب الطلبة من المدارس. مشيرا: ان الشيء الآخر الذي يكون دافعا مهما للدراسة وتحفيز قدرات الطلاب تكريم المتفوقين وتشجيع الاخرين، مع اهمية توفير المستلزمات الدراسية كافة. واجبات أسبوعية خاصة
نجاة فاضل مدرِّسة لمادة الأحياء تحدثت لـ(المدى) ان هناك ضعفا كبيرا عند بعض الطلبة فى استعياب المادة وتعود هذه الاسباب الى أنشغال الطالب بامور ثانوية بعيدة عن الجو العام للدراسة. مبينة: طالبنا اولياء الامور بضرووة متابعة ابنائهم من لحظة خروجهم من البيت ، البعض منهم استجاب وآخرون اهملوا الموضوع واغلب هؤلاء ممن يتسرب ابناؤهم أثناء الدوام الرسمي او تغيب متقطع بحجج واهية!
واضافت فاضل: لدينا تقيم لادارة المدرسة ومديرية التربية وعليه من الضروري جداً ان يكون هناك اصرار من قبل الهيئات التدرسية على اعادة الوضع الحقيقي لكل طالب ومن خلال اعطاء واجبات اسبوعية خاصة لهم من غير الواجبات اليومية.
الخدمة العسكرية
مدير اعدادية الدراسات الاسلامية سابقاً الاستاذ سالم علي احمد اشار لـ(المدى) الى أن أسباب تسريب الطلبة من المدرسة وانخفاض المستوي التعليمي في عموم البلاد في الوقت الحاضر الى خمس نقاط اساسية: الاولى هو قتل الطموح لدى معظم الطلبة بسبب ان انهاء الدراسة الجامعية لن يضيف له شيئا لغياب فرص العمل فى المؤسسات الحكومية وهذا الحال بدأ منذ اكثر من عشرين عاما. معتبرا: الغاء الخدمة العسكرية الإلزامية اعطى فسحة كبيرة لعدم الاهتمام بالدراسة والتسرب من المدارس. واضاف احمد: السبب الثالث هو دخول عالم الإنترنيت والموبايل الى كل تفاصيل الحياة العراقية خاصة الشباب. حيث تحول اهتمامهم الى العاب التسلية اكثر من التفكير في الدراسة. وعن السبب الرابع ذكر: هو عدم سيطرة اولياء ألامور على ابنائهم حتى في المنزل مما يصعب على ادارة المدرسة والكادر التدريسي السيطرة على هكذا نماذج من الطلبة. مبينا: ان الجو العام التي تعيشه البلاد من صراعات سياسية وعسكرية وغياب لدور القانون واتجاه البعض من افراد المجتمع إلى حياة غير منضبطة والعوز المادي للعديد من العوائل الامر الذي قلل من متابعة الاولاد في دراستهم. النزاعات والفقر
اشار تقرير صدر عن الامم المتحدة قدّر عدد المنقطعين عن التعليم أو من يواجهون خطر التسرب من المدارس في العالم العربي بنحو 21 مليون طفل، مشيرا: إلى أن هناك ما يزيد على 15 مليون طفل تسربوا من التعليم في منطقة الشرق الأوسط، فيما يعد 6 ملايين آخرون في خطر التسرب. وبحسب التقرير فإن الأسباب التي تقف وراء ارتفاع هذه النسب من المنقطعين أو المهددين بذلك في المنطقة متعددة ويعد ارتفاع نسب الفقر أهمها في بعض الدول خاصة في المناطق الريفية حيث يعجز الآباء عن تغطية مصاريف أبنائهم للالتحاق بالمدارس، ويستعيضون عن المدرسة بتعليمهم الصنائع أو تشغيلهم في سن مبكرة ليؤمنوا للعائلة دخلا إضافيا. من جانب آخر يتسبب فقدان الأمن والاستقرار في تصاعد نسب المتسربين من المدارس خاصة في ظل الصراعات والنزاعات المسلحة والحروب وهو ما يبدو جليا من خلال الأحداث الدائرة في العراق وسوريا في السنوات الأخيرة، حيث أدت النزاعات المسلحة إلى عدم قدرة الطلبة على الذهاب إلى المدارس وهو ما ساهم بشكل لافت في ارتفاع نسب التسرب من المدارس. وهذا ما أكده تقرير صدر عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) تناول تأثير العنف على تلاميذ المدارس في تسع مناطق منها سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، وأشار إلى أن نسبة 40 بالمئة من الأطفال في هذه الدول خارج النظام التعليمي، وأن ما مجموعه تسعة آلاف مدرسة تعرضت للتدمير في الدول المذكورة.
|