ال "اللعنة" |
تفرض طبيعة الدبلوماسية ألا تتحدث لغة قاطعة. ولكن لا بد أن تكون واضحة٬ لكي تكون ملزمة في الحد الأدنى. وإذا فرضت الدبلوماسية بعض الثورية والغموض في المراحل التمهيدية٬ فهو أسلوب لا يمكن أن يستمر لئلا يتحول إلى خداع. ويحدث أحيانا أن يكون الفرقاء المعنيون صادقين٬ بمعنى أنه ليس لديهم ما يقولونه للناس٬ فيضطرون إلى قول أشياء لا تعني شيًئا٬ وأيًضا لا تقطع خًطا متصلاً٬ كالمفاوضات بين إيران والدول الكبرى التي شارفت القطع مرات عدة٬ ثم أنقذتها ليونة من هنا أو هناك. لكن «الغموض الدبلوماسي» يتحول أحيانا إلى جريمة كبرى في حق شعوب وأمم وقضايا. ولعل أشهرها بند القرار «242» المتعلق بالانسحاب من «أراض» محتلّة أو «الأراضي المحتلة»٬ ولا نزال ندفع ثمن «أل» التعريف هذه منذ 1967م كأنما الأثمان التي دفعناها لم تكن كافية. والآن تدفع سوريا منذ مؤتمر جنيف الأول٬ ثمن الخلاف على تفسير بنود «المرحلة الانتقالية»٬ بين واشنطن وموسكو٬ أو بالأحرى بين جون كيري وسيرغي لافروف. كلاهماُيعلن تمّسكه بحرفية مؤتمر جنيف٬ لكن الأول يقول إن شرحه يؤكد خروج الأسد٬ والثاني يؤكد العكس. وأطلقت موسكو في هذا الاتجاه مجموعة إشارات متضاربة٬ إلى أن أعلن بوتين أخيرا أنه ذاهب إلى سوريا لإنقاذ النظام. وأوروبا أيًضا أعطت إشارات غامضة ومتناقضة وبلهجات متفاوتة٬ ما بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. في غضون هذا النوع من الدبلوماسيات٬ تتفاقم المأساة السورية وتزدادُعقًدا وضحايا وخراًبا. وما بين غموض «أل» التعريف في القرار «242» وبند المرحلة الانتقالية في «جنيف الأول»٬ ينتشر البؤس العربي من عقد إلى عقد٬ ومن بلد إلى آخر٬ ومن مخيمات إلى مخيمات. ندفع ثمن اللؤم في النيات والخبث في إخفائها. وتتلاعب بنا الدول الكبرى على أننا مجرد بنود وفقراتُسلم أمرها إلى كتبة بارعين في الخداع٬ وتغطية الدماء بالكذب والمراوغة. من أيام «الوطن القومي اليهودي» ونحن ضحية الصياغة. ترمى لنا الكلمات ناقصة الأحرف الأولى وخالية الضمائر؛ ظاهرة ومستترة٬ ويتركوننا نبحث عن «أل» التعريف بين أقدام الأمم.
|