هل مات صدام؟!

 

سؤال قد يجده بعضهم غريبا، لكن حقا هل مات صدام؟!

الشخصيات المؤثرة – سلبا أو إيجابا – لا تموت جسديا، فهي تترك وراءها إرثا تتغذى عليه أجيال عايشتها وأخرى أعقبتها، مهما كان مضمون هذا الإرث سيئا أو جيدا، إنسانيا أو وحشيا، ثقافيا أو علميا.

صدام الذي يدعي 99.9 % من الساسة ورجال الدين والوجوه الاجتماعية أنهم كانوا له معارضين وناقمين على إجرامه ودكتاتوريته وأنهم جميعا إنما شاركوا أو أرادوا المشاركة في إسقاطه ليس لتحقيق هدف شخصي أو حزبي أو مذهبي أو ديني أو قومي أو مناطقي، بل من اجل إنقاذ الأمة العراقية من تسلطه واستبداده، ما يعني بالضرورة أنهم عازمون على جلد أنفسهم بسوط الديمقراطية إكراما لحرية الوطن والمواطن التي امتهنت في العهد المباد.

الواقع غير ذلك. صدام لم يمت وإرثه الاستبدادي رضعه معارضوه حد التخمة ولم يفطموا بعد، فهم متمسكون بكراسيهم السياسية والحزبية والدينية والاجتماعية والثقافية حد التمازج مع خشبها وحديدها، معدنها هيكلهم وجلدها جلودهم، تماهوا مع الدكتاتور حتى أنهم أعادوا ويعيدون تكرار سياسته ودكتاتوريته بأدق تفاصيلها، اختلطت ثقافة الاستبداد بأفكارهم فهضموها بوعي منهم وأعادوا إنتاجها، وها هم يهاجمون كل من يمس أصنامهم ويقتحمون الأملاك الخاصة ليقلبوا عاليها سافلها حرقا وتحطيما وتهشيما لوجوه ورؤوس وأيدي وأرجل وأضلع من شاء حظه العاثر أن يكون متواجدا ساعة الهجوم البربري.

وحشية وهمجية كانت ديدن النظام المباد وعصاباته الزيتونية. لم يختلف شيء أو يتغير سوى الألوان والأزياء. في السابق كانت البدلة العسكرية هي الحاكم الباطش، والآن البدلة وربطة العنق والعمامة والسواد والدشاديش المبتورة من أسفلها. بهذه الملابس الرثة تحكم البلاد، وبمباركة الأصنام الماسكة بزمام السلطة السياسية والدينية والاجتماعية.

لسنا ببعيدين عن سنوات الحديد والنار، وما زالت آثارها في نفوسنا وأجسادنا، ولسنا بحاجة لمن يديم هذه الآثار الموجعة. ما نحتاجه هو أن نتحدث ونكاشف بعضنا بعضا، ننتقد وبقسوة لكي نعوض سني الكبت النفسي، فما من سبيل للتغيير سوى النظر في المرآة لنستأصل التشوهات الخلقية الناتئة في وجوه وأرواح من يتصدى للزعامة. مشرط النقد هو الذي سيجمل وجه الاستبداد القبيح، أما العصي والسكاكين فهي أسلحة لا يلجأ إليها إلا من لا يجيد غير لغة العنف والقسوة، فتراه يلجأ إلى القوة الجسدية والعددية لتلميع أوثانه، بلطجية وشبيحة تستصرخهم أنظمتهم الحزبية والدينية والاجتماعية كلما تطاول أحد ما على مقاماتها السامية، وأحيانا لا يستصرخون أنفسهم قبل أن يتكلف زعماؤهم عناء النداء.

ستستمرون بهمجيتكم وسنستمر بنقد أصنامكم ولتكن دماءنا غذاء للحرية التي تدعون أنكم تصونونها في حين أنكم تغتصبونها كما اغتصبها مَن قبلكم.