الشعائر الحسينية بين الموروث والحداثة |
كثير ما نستعد ماديا وروحيا لاستقبال شهر محرم من شراء الملابس السوداء ورفع الرايات والشعارات وإقامة مجالس العزاء وغيرها ، وننسى أن نهيئ أنفسنا فكريا وروحيا لدروس الثورة الحسينية المباركة، بعد أن تمتلئ طرقاتنا بالمأكولات والمشروبات وكأننا في مهرجانات فرح دائم همنا الأول والأخير الطعام والشراب وننسى أن الحسين قُتل عطشاناً في ارض كربلاء وننسى أيضا لماذا قتل الحسين عليه السلام ،ما لا يعجبني في عاشوراء.. أن تتنافس المآتم الحسينية الرجالية والنسائية وخصوصاً الرجالية منها بتقديم المأكولات والمشروبات وتكون منافستهم الوحيدة على الأفضل والأكرم في تقديم المأكولات وتنسى القيمة الحقيقية والرسالة العلمية للمآتم الحسينية ، والبلد يمر بمعركة تاريخية يقاتل فيها أبنائه مغول العصر داعش ومن ساندهم من شذاذ الأفاق وهم أولى بتلك المأكولات والمشروبات التي يمكن تحويلها كمبالغ نقدية إليهم عن طريق فتح حساب مركزي لدعم المعركة ورجالها الشجعان ..وتلك الفتيات اللاتي يحضرن لتعزية أبي عبد الله الحسين وهن في قمة أناقتهن وتبرجهن يتبادلن الحديث والابتسامات أثناء قراءة الخطيب أو الخطيبة وكأنهن يشاهدن برنامج تلفزيوني أو يستمعن لبرنامج إذاعي ولا ترمش لهن طرفة عين ولا يرجف لهن قلب على مصاب الإمام الشهيد الذي حارب القوى المتكبرة التي استولت على الحكم .. كما نشاهد هناك شباب واقفين بقصة شعر غربية وعطور فواحة وسلسلة متدلية على الصدر يتفرجون على العزاء ولا يشاركون الآخرين ما هم عليه ، البعض منا يعتقد خطأً أن مسألة عاشوراء مسألة وقتية لا نستفيد من أهدافها وقيمها طوال حياتنا باعتبار الإمام عليه السلام رمزاً للبطولة والتضحية وليس رمزاً للبكاء والعويل وضرب الرؤوس بالقامات والتراجيديات الحزينة ونسينا الدروس المستوحاة من هذه الثورة المباركة ونسينا كذلك أن الحسين وصحبه الإبرار قدموا لنا أروع نموذج للتضحية والفداء وأكبر من تلك التي نعملها في مآتمنا النهارية والليلية وأحياناً نستمر في العزاء على الحسين إلى وقت متأخر من الليل ومن ثم نتكاسل عن أداء فريضة صلاة الصبح… متناسين أن ثورة الحسين ما قامت إلا من اجل المحافظة على الصلاة والالتزام بمبادئ الإسلام الأصيلة وكثير ما تسير مواكب المعزين مخلفةً وراءها أكوام هائلة من القمامة ، ويتناسى المعزون عند شربهم وأكلهم بأن هناك حاويات للقمامة موجودة في أماكن متعددة ، ما يدفع الشباب المتطوع لجمعها ووضعها في المكان المناسب لها تطوعاً منهم لهذه المهمة والشعيرة المقدسة،وأخيرا أتمنى من الإخوة القائمين على تلك المواكب أن يختاروا الشعارات التي تجمع ولا تفرق تقدم ولا تأخر تتماشى مع العصر وثورة المعلومات ، لان العالم أصبح قرية صغيرة بفضل ثورة المعلومات والاتصالات ، يرانا العالم يومياً من خلال وسائل الاتصالات المتعددة ويحكم علينا، فلنغير أنفسنا وشعاراتنا بما يتلاءم مع العصر ونأتي بما هو جديد ونبتعد عن ما هو قديم ولا نكرر نفس السيناريو والمشاهد مثلما هي سنويا ، لأن العالم في حالة تغيير شامل والعادات والتقاليد والشعارات تتطلب منا التغيير بين فترة وأخرى، وما كان مقبولا في السابق أصبح اليوم غير مقبول اجتماعيا وحضارياً .. والله من وراء القصد. .
|